الجمعة، 16 سبتمبر 2011

للمرة الألف، الهوية إنسان! (14)

كم مرة رددتها عليكما؟ ولعلكما تعبتما من كثر سماعها. أن الهوية إنسان.
الهوية إنسان.
للمرة الألف: الهوية إنسان.
وبعضكما سيتساءل عن سبب تكراري للعبارة، وإصراري عليها.
بعضكما سيقول متعباً: "فهمنا، تقولين أنك إنسان أولاً. وبعد؟"
لكن للهوية تداعيات.
للهوية نتائج.
والهوية التي سنختارها في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا، هي التي ستحدد مسار المستقبل. هي التي ستحدد ما إذا كانت ثورات شبابنا وشاباتنا ستحقق لهما المستقبل الذي ضحيا بإنفسهما من أجله، أم لا.
أسألكما سؤالاً: ما هو جوهر الرسالة التي يصر عليها الإسلام السياسي؟
عندما يبدأ في الحديث إليك أيها الشاب، أيتها الشابة، على أي وتر يلعب؟
هل يقول لكما: انت مصري، مصرية؟ يمني، يمنية؟ تونسي تونسية؟ ليبي، ليبية؟ هل يقول لكما: أنتما إنسان؟
لا.
سيبدأ بالحديث إليكما بوضع فاصل بينكما وبين "الغير".
سيقول لكما إن الحب جوهر رسالته، لكن مع الوقت ستتبدى ملامح هذه الرسالة وسيكون من الجلي أن الحب ليس لُبها. بل التمييز ثم الكراهية: لا تقول "مصري". الهوية ليست وطنية. لا تقول "إنسان". الهوية ليست إنسان. بل قل "الهوية إسلامية".
ورجوتكما أن لاتفهماني خطأً. جوهر الإسلام الإنساني هو إحترام حرية الإنسان وإرادته. وإذا اراد هذا الإنسان أن يحدد الدائرة الأولى من هويته في الدين، فهذا حقه، طالما أنه لا يرفض غيره او يؤذيه.
لكن رسالة الإسلام السياسي، غير ذلك.
رسالة الإسلام السياسي، تقول لكما: أنتما صنف، وغيركما صنف اخر. فلا تختلطا بالغير. تجنبا هذا الغير، ثم لا تأكلا معه على طاولة واحدة. حتى في التحية التي يتبناها كعنوان لرسالته، يفصل بينكما وبين "الآخر"، أياً كان هذا "الآخر".
هل لاحظتما مثلاً موضوع تحية الإسلام التي تصر عليها جماعات الإسلام السياسي؟
جماعات الإسلام السياسي تصر على التحية بعبارة "السلام عليكم".
ولا اكتمكما سراً أني كنت دائماً أحب هذه التحية. ما أجمل السلام تحية، اليس كذلك؟ لكني انتبهت وأنا في السادسة عشرة، بعد عودتي من المغرب، إلى حديث "الداعيات" من الأخوات “المسلمات“، ثم أكمل على حديثهن منهاجهنا التعليمي الديني في اليمن، ذلك الذي صممه الشيخ عبدالمجيد الزنداني، الأب الروحي لإسامة بن لادن، وأستورده من قلب الفكر الوهابي.
أقول إنتبهت إلى التوصيات التي قيلت لي عن تحية الإسلام:" ‘السلام عليكم‘ تُقال للمسلمين، وللمسلمين فقط!!"
وعندما إرتفع حاجباي متسائلين: "وماذا عن غير المسلمين؟"، جاء الرد: "لاتقال لغير المسلمين!!" (على فكرة هذا التفسير للسلام والتحية يُدرس في مناهج المدارس الإبتدائية للمملكة السعودية أيضاً".
أعود وأكرر السؤال، "لماذا؟"
أووف. كم يكرهون هذا السؤال. هم لا يحارون جواباً. بل يتعمدون عدم الرد، كي لا تنفرا من رسالتهم.
لماذا لا تقال لغير المسلمين؟
ببساطة شديدة لأن "عهد السلام" هو مع "المسلمين"، لا "غير المسلمين".
بكلمات أخرى، هم يقولون "السلام عليكم" للمسلمين، ولغير المسلمين يحتفظون بتحية أخرى في قلوبهم: "والحرب عليكم، فلا سلام لغير المسلمين".
وإذا كانت تحيتهم، تفصل بين البشر، وتمنح السلام لمن يؤمن "بالدين كما يؤمنون به"، وتمنعه عن "غير المؤمن"، فبالله عليكما، أية دولة ستبنيها هذه الجماعات؟ واية حقوق ستمنحها للمسلمين وغير المسلمين؟
لا تستهنيا برسالة هذه الجماعات السياسية الدينية.
فهي والظلام صنوان.
لكنها تستخدم الدين غطاءاً كي تصل إلى السلطة. وتفسر الدين على هواها، ثم تقدمه لنا مغلفاً في ورق سوليفان، وتقول لنا: "هذا هو "كلام الله" ومن يعترض ويعارضنا فإنه "ضد الله".
والله أعزائي، عزيزاتي، لا دخل له في الموضوع.
الله هم الذين يقحموه في الموضوع ، كي يرهبوننا.
لذلك اقول لكما إن للهوية تداعيات. للهوية نتائج.
إذا كانت الهوية "دينية" كما تصر الجماعات الإسلامية السياسية، فإن الدولة التي سيقيموها ستكون "دينية" هي الأخرى.
ومادام أساسها ديني، فإن مباديء المواطنة وحقوق الإنسان، تلك المباديء الأساسية للدولة الحديثة المعاصرة، لن تكون جزءاً منها.
لن نكون جميعاً مواطنون ومواطنات متساويين أمام القانون، "بغض النظر عن الدين والجنس واللغة والعرق واللون".
لن نكون إنسان أمام القانون، بل هويات دينية طائفية عرقية جنسية.
ودولتهم ستقوم على تقسيم تراتيبي: المسلم هو مواطن من الدرجة الأولى، "المسلم السني" في الدولة السنية الإسلامية، و"المسلم الشيعي" في الدولة الشيعية الإسلامية. ثم تأتي بعد ذلك درجات أخرى من المواطنة، وكل درجه لها حقوق ومسؤوليات تختلف عن الأخرى. ولذا فإن العدالة، العدالة لن تكون جوهرها. تماماً كما أنها لن تحترم إرادة الإنسان وحريته.
لا تنسيا كيف وعدت حركة حماس عندما استولت على السلطة في قطاع غزة أن تحترم حق المرأة في عدم إرتداء الحجاب، ثم نست وعدها، واصبح الحجاب الآن فرضاً. تماماً كما فعلت إيران بعد أن إستولى الإسلاميون على ثورتها.
في البداية يؤكدون إحترامهم لحرية الإنسان، ثم ينقلبون بعد ذلك ويقولون، "لاحرية فيما نص عليه الدين". و"الدين" هنا هو "تفسيرهم" لهذا الدين، لا أقل ولا أكثر.
ثم لاحظا مثلاً الضجة التي اثارتها الجماعات الإسلامية في مصر عند الحديث عن "حرية الدين". يجعر البعض منهم في وجوهنا قائلاً: "يعني إيه حرية الدين؟ طب لو واحد قال إنه بهائي، هنحترم دينه كمان؟"
أيوه. هنحترم دينه كمان. هو خيار وفقوس؟ نحترم حرية البعض، وننتهكها مع اخرين؟
حرية الدين، حق مطلق. لا نقُصُ منه ونفصل فيه على مقاس أهواءنا "الدينية".
هو حق مطلق.
بهائي، درزي، علوي، مسلم، مسيحي، يهودي، بوذي، هندوسي، ملحد. لا فرق.
لافرق.
الهوية إنسان.
ومادامت الهوية إنسان فإن الدولة التي تقوم على هذا المبدأ، تلك التي تحترم مفاهيم الإسلام الإنساني، ستقوم على مبدأ الفصل بين الدين والدولة. علمانية هي. ولا شيء مخزي في هذا المصطلح. تركيا دولة علمانية. فهل تعتبرونها وصمة عار؟
الهوية إنسان، ولذا فإن الدولة التي تقوم على هذا المبدأ ستعمد إلى سن دساتير وقوانين، تحترم المواطن لديها، رجلاً كان أو أمرأة، بغض النظر عن دينه،ومذهبه، لغته، عرقه، او لونه، وتعامل كل أبناء وبنات الوطن على قدم المساواة. مواطنون ومواطنات. لافرق بينهم في المواطنة.
المواطنة واحدة. مقاس واحد يرتديه كل من يحمل هوية "مواطن".
الهوية إنسان.
للمرة الألف الهوية انسان.
كي نحترم الإنسان في الوطن الذي نبحث عنه.
كي نحترم إرادة الإنسان في الوطن الذي نخرج إلى الشوارع من أجله.
كي نحترم حرية هذا الإنسان في الوطن الذي نحلم به.
كي نحترم كرامته.
الهوية: "إنسان أولاً"، ثم كن بعد ذلك ما تكون.
لأنك إذا كنت إنسان أولاً سترى الإنسان فيمن حولك أولاً. لن ترى دينه، لونه، نوعه، طائفته. بل سترى الإنسان فيه، وإذا رأيته ستكتشف المحبة التي فيه كما هي فيكَ وفيكِ.
الحب.
الحب، لا الكراهية.
----
هذا هو العنصر الأول من الإسلام الإنساني: الهوية إنسان.
العنصر الثاني الذي يقوم عليه الإسلام الإنساني هو "العقلانية، والحرية".
احدثكما عنه الأسبوع المقبل.

هناك تعليقان (2):