الأربعاء، 8 فبراير 2012

نصوصنا السماوية نحترمها...لكنها بشرية 3

أتعرفان؟
أحيانا أقف حائرة.
أنظر إلى شخص نبينا الكريم، ولا أتمالك من الإحساس، أني انظر إلى شخصان، لا شخص واحد.
شخصان.
رجلان، لهما طبعان مختلفان، ورؤية للحياة مختلفة.
رجل يدعو إلى التوحيد، وعدالة اجتماعية، ورسالة تسامح، وله زوجة واحدة.
هذا شخص نبينا الكريم في مكة.
وشخص اخر، يبدو لي، وارجو أن لا أتسبب في جرح مشاعركما، يبدو لي كما لو كان أمير حرب ورئيس قبيلة، له زوجات عديدات. يلجأ إلى الغزوات التي عرفتها قبائل شبه الجزيرة العربية، ويوزع الغنائم كما تفعل قبائل شبه الجزيرة العربية، ولا يجد غضاضة في الدخول على امرأه، قتل زوجها وأبيها في نفس اليوم.
تلك كانت عادات قبائل شبه الجزيرة العربية.
لكن هكذا كانت ملامح شخص نبينا الكريم في المدينة.
شخصان يتناقضان في الطبع. الأول نبي يحمل رسالة محبة وإصلاح اجتماعي، والثاني محارب و قائد حرب قبلي. وهذا التناقض يتبدى أيضاً في النصوص القرآنية. يعكسان إتجاه كل منهما.
بعضنا سيقول، ليس هناك تناقض في الطبع. بل هو تطور طبيعي.
خطاب النبي الكريم في مكة كان خطاب شخص يدعو إلى رسالة تجد الرفض من الجموع. وكان من الضروري لا محالة أن يطور خطاباً لا يجرح بل يجذب. لكن هذا الخطاب ومعه السلوك تغير حالما تمّكن النبي الكريم وأصبح رئيساً لدولة صغيرة.
هؤلاء سيقولون لنا ايضاً، فقط تخيلا لو أن المسيح عليه السلام لم يصلب، وعاش حتى اصبح رئيسا لدولة صغيرة. هل كانت رسالته ستبقى رسالة محبة وسلام؟ سؤال يبقى جوابه في رحم الغيب. لكن هذا ليس موضوعنا.
الإسلام الإنساني الذي تدعو إليه هذه السلسلة يؤسس في جوانب من خطابه على الطبيعة الإنسانية لشخص النبي في مكة المكرمة. ثم ينظر إلى شخصه في المدينة ولا يعتبرها مصدر إلهام. تلك مرحلة تاريخية لها طبيعتها الحربية. لكنها لا تقدم لنا نموذجاً يمكننا من تطوير وإصلاح الدين الإسلامي.
وإصلاح وتطوير الدين الإسلامي هو الهدف من هذه السلسلة عن الإسلام الإنساني. الإصلاح بمعنى البناء لا الهدم. والتطوير بدافع المحبة لا الكراهية. لكن كل هذا يتطلب منا الإقرار بالطبيعة البشرية للنصوص السماوية، هذا الإقرار ثم تداعياته هو العنصر الثالث الذي يقوم عليه مفهوم الإسلام الإنساني.
----
وليسمح لي القراء والقارئات العزيزات باستطراد بسيط هنا، لكنه ضروري بسبب ردود وتعقيب بعض القراء والقارئات العزيزات.
أنا مدركة طبعاً للتناقض الذي افرضه بالعنوان الذي اخترته لهذه السلسلة من المقالات: نصوصنا السماوية نحترمها... لكنها بشرية.
كيف تكون سماوية ثم بشرية في نفس الوقت؟
أنا اسميها سماوية، لأن من يؤمن بها يعتبر أن مصدرها سماوي. وهذا حقه.
بكلمات أخرى أنا أحترم هذا الاعتقاد، رغم قناعتي بغير ذلك.
أكرر، رغم قناعتي بغير ذلك.
ولينتبه الأعزاء إلى أن الإنجيل الذي خضع لأساليب البحث العلمي، يظل مصدره بالنسبة للكثير من المسيحيين المتدنيين سماوي، رغم إدراكهم أن من كتبوا نسخه المتعددة هم بشر.
هذا لم يقلل من قيمته الدينية لديهم.
أقول الدينية لا التشريعية. رغم إدراكي لوجود تيارات مسيحية تسعى إلى التشريع به.
ولذلك تجداني أصر على التعامل مع هذه النصوص الإسلامية، من قرآن كريم وأحاديث نبوية، في حديثي عنها أو التعامل معها بأحترام، في الوقت الذي لا احيد فيه عن اقتناعي أنها بشرية، كتبها، وجمعها، ثم دونها بشر.
وأكُرر: هدفي ليس الهدم.
ودافعي ليس الكراهية.
بل المحبة.
أحب وطني، وأبناء وبنات جلدتي.
تماماً كما أحب ديني رغم إدراكي للقصور الكبير فيه.
وأظل عنيدة في قناعتي أن هناك ضرورة حتمية لإصلاحه، لكن الإصلاح الذي اعنيه لا يكتفي بالقشور. ويبدأ بالنصوص الدينية، التي اتفادى تسميتها بالمقدسة، لأن هذه التسمية تمنعنا من النظر إليها ونقدها.
ونقدها أيها الأحباء ضروري.
نقدها ضروري.
أرجو أن اكون قد أوضحت موقفي هنا.
----
أعود من جديد إلى موضوع النصوص الدينية.
سيرة الرسول الكريم دونت بعد وفاته بمائتي عام، ولذلك فإن تلك الصورة التي وصلتنا عنه لا تحمل في مكمونها فقط تناقضات مقلقة، بل مغالطات لا يمكن النظر إليها بحياد، ثم تجاهلها. ولذلك عندما أقول أني اشعر أننا نتحدث عن شخصين، رجلين، لا عن شخص واحد، عندما أقول ذلك، فإني لا أبالغ. نحن بالفعل نتحدث عن شخصين لا شخص واحد.
يكفي أن نقرأ سيرة الرسول الكريم في مكة، ثم في المدينة، يكفي أن نقرأ كتاب الشخصية المحمدية، حتى ندرك أننا نتحدث عن شخصين لا شخص واحد. هناك ضرورة لدراسة السيرة النبوية بطرق بحثية حديثة تبتعد عن التمجيد والتأليه، ثم تطرح السؤال: عمن نتحدث هنا بالتحديد؟
تماماً كالأحاديث النبوية (والحديث عن القرآن الكريم قادم، فلا تستعجلا).
ما يقلقني في الأحاديث النبوية أنها تحولت كالقرآن إلى مصدر للتشريع.
وما يقلقني اكثر، أنها تحولت إلى مصدر للتشريع بالرغم من معرفة الفقهاء للقصور الكبير فيها، ولحقيقة أنها دونت بعد مائتي عام من وفاة الرسول الكريم. هم يدركون ما يعيبها، لكنهم يصرون علينا أن نأخذها كمصدر للتشريع، ثم يصرون علينا أن نقتنع أن أساليب جمع الحديث والتأكد من صحتها، والتي ركزت فقط على الإسناد لا المتن، كانت كافية كي نأخذ بالسنة على علاتها كمصدر أساسي للشريعة.
كتاب الباحث إبراهيم فوزي، تدوين السنة، الذي منع نشره في بلداننا العربية، اظهر لنا بشكل واضح طبيعة هذا القصور.
ينقسم الكتاب إلى ثلاث اجزاء، الأول خصصه الباحث لتعريف السنة والخلافات على تدوينها، والثاني عن علوم الحديث وأنواعها والخلافات حولها، أما الجزء الثالث فقد تمحور حول السنة بعد التدوين والأحكام التي نشأت منها. أنصحكما بالبحث عن هذا الكتاب، وستجدانه.
الفكرة الأساسية للكتاب تقوم على أن: "جانباً كبيرا من النصوص التي جاءت في السنة، مختلف على صحتها بين المذاهب، لأن السنة لم تدون في عصر النبي، ولا في عصر الصحابة ...، وبقيت طيلة القرن الأول لم يدون شيء منها، فتعرضت للتحريف والتزوير والكذب على النبي، وهذا ما افقدها صفة التشريع الموحد". (ص 67)
هذا الكذب على الرسول الكريم ساهم فيه حقيقة اساسية هو أن تدوين السنة والأحاديث لم يتم إلا في القرن الثالث الهجري.
فهو يقول: "مضى القرن الأول للهجرة ولم يدون من السنة شيء ... ولم يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين انه دون صحيفة او كتب كتاباً يحوي احاديث النبي وسننه، سوى ما روي عن بعضهم أنهم كتبوا لأنفسهم أحاديث عن الرسول لكي يحفظوها ثم اتلفوها (بسبب نهي الرسول الكريم عن التدوين عنه) ولم يصل شيء منها إلى الذين قاموا بجمع السنة في القرن الثالث الهجري".(ص 67)
أما النتيجة التي توصل إليها الباحث فهي تقوم على أساس عبارة: "يتفق اكثر المؤلفين في الفقه الإسلامي على أن الكذب على النبي ظهر منذ قيام الفتنة بين الصحابة، أي منذ قيام الثورة ضد عثمان والتي انتهت بمقتله وبدء ولاية على بن أبي طالب، وظهور العصبية في قريش، والصراع على السلطة بين الأمويين والهاشميين". (ص 77)
بكلمات اخرى، الطابع السياسي المتفجر لمرحلة بناء الدولة بعد وفاة النبي الكريم، الصراعات القبلية، التنافس بين الفصائل القبلية الأموية والهاشمية واليمانية، ثم التناحر بين المذاهب الدينية الجديدة، حَّول النص الديني إلى سلاح يستخدمه كل جانب لتدعيم موقفه. هذا التوظيف للنص الديني انعكس على عملية التدوين في القرن الثالث الهجري. فأصبحت هي أيضاً مرآة لواقع سياسي متفجر. ورغم ذلك نأخذ بها كمصدر للتشريع؟
اليس من الغريب مثلاً القبول بأحاديث عبدالله بن عباس، والتي زادت عن 1660 في كتب الصحاح والسنن، والتي قال إنه سمعها من النبي مباشرة، رغم أنه أن عمره عند وفاة الرسول الكريم لم يزد عن عشرة أعوام!!!
كان طفلاً، ورغم ذلك نأخذ بأحاديثه التي نسخت أحكاماً قرآنيه؟ هل كان عبقريا حتى نقبل بهذه الأعجوبة؟ لكنه لم يكن عبقرياً. ولذلك فالقبول بتلك الأحاديث يبدو لي استخفافا بعقولنا.
اليس من الغريب أن نأخذ بأحاديث أبي هريرة التي زادت عن خمسة ألاف حديث، رغم أن بعض الصحابة أتهموه بالكذب، خاصة وأنه تحول إلى ضيف في قصر معاوية بن أبي سفيان، بعد تولى الأخير الخلافة؟ ضيفٌ مدلل!
لاحظا أن التوظيف السياسي له علاقة بطبيعة الحكام الجدد، الذين أرادوا من المحكومين أن يسمعوا ويطيعوا ثم يغضوا الطرف عما يفعله الحكام.
على سبيل المثال، من أحاديث أبي هريرة ان النبي الكريم قال له: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني".
عن أي أمير كان يتحدث أبو هريرة؟
وحديث أخر له يقول إن النبي الكريم قال له:" عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك".
هو نظام سياسي، قام على الاستبداد، وسعى المستبدون فيه إلى دعمه بركائز من نصوص دينية اختلقوها.
أكرر اختلقوها.
ورغم ذلك يريدون منا أن نأخذ بها في حياتنا ونظامنا السياسي!
الفكر السلفي يقوم على هذا المفهوم من طاعة الحاكم، وهو مفهوم بررت به الحركة السلفية في مصر دعمها لنظام الرئيس مبارك، تماماً كما تبرر به المؤسسة الدينية السعودية والقطرية ولاءها لنظامي الحكم المستبدين فيهما.
وللحديث بقية، أكمله معكما في المقال القادم.
إلهام مانع