هل تذكران ما قلته مرة في مقال سابق، إن الدين ليس هوية.
لست مسلمة.
وهويتي ليست الإسلام.
الهوية أكثر تعقيداً من أن احصرها في الدين. تماماً كما أن الدين ليس هوية، الدين إختيار.
الدين إختيار.
قلت أيضاً أني اخترت أن أكون مسلمة.
هل تذكران؟
قلت اني اخترت ان اكون مسلمة، ولم أقل أني مسلمة.
وهذا يعني أنني إتخذت قراراً بالبقاء في الإسلام.
ولا أكتمكما سراً أني فكرت أكثر من مرة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أن اترك الدين الإسلامي واعتنق ديناً اخراً.
فإنتشار المد السلفي والتفسيرات الأرثوذكسية للدين الإسلامي، تحاملها على المرأة، إضافة إلى إصرارنا على دفن رؤوسنا في الرمال عندما يتعلق الأمر بالحركات الدينية المتطرفة ودعوتها إلى العنف (اعني الجهاد)، جعلني اطرح السؤال على نفسي: هل تريدين فعلاً أن يكون دينك الإسلام؟
سؤال مهم.
بطبيعة الحال، مجرد طرح السؤال بهذه الصيغة يعني ببساطة أن الجانب الروحاني المتعلق بالإيمان يظل هاماً بالنسبة لي.
لست مصنوعة من مادة فقط. هناك جانب روحاني في يتعطش إلى الإشباع، يبحث عن آفاق بعيدة،يعود منها إلى الروح، يناجيها ثم يدعوها إلى التأمل. لم يكن الإستهلاك يوماً أمرأ مشبعاً لي، تماماً كما أن الإستمتاع بالحياة الذي اعتبره واجباً على الإنسان، لا يمثل إلا جانباً من الحياة.
هناك شيء ما أكبر. أكبر مني ومنكما. وهذا الشيء الأكبر أسميه الله. غيري في اديان توحيدية وغير توحيدية يسميه بأسماء أخرى، لكننا جميعاً نبحث عن الشيء نفسه. نبحث عن معنى للحياة. وهناك من وجد هذا المعنى دون رب، فهنيئاً له. هذا حقه. هذا رأيه. اقبل به، دون إمتعاض.
بالنسبة لي، الله لم يمت. لم أقتله كما قتله غيري.
لازال حياً في وجداني.
لكن الله الذي اعدته إلى حياتي لا علاقة له بصورة الرب الذي تطرحه علينا الأديان التوحيدية بصورها الأرثوذكسية.
"رجل غاضب، وجهه متجهم، يكيل علينا اللعنات لأننا نحيا على وجه البسيطة". هكذا يصوروه لنا.
الرحمن الذي اؤمن به او بها (لم يقل احد أن الله رجل، ولذلك تمكن الإشارة إليه بصيغة المذكر أو المؤنث، مادمنا نعرف أن الإشارة إليه بصيغة المذكر مجازية) لايزيد عن قوة أكبر منا، قوة خير ومحبة، نور وسلام، ترمز للعدالة والمساواة.
قوة فينا، وقوة من حولنا، وقوة تنسج بنورها خيوط الكون معاً في وحدة واحدة.
هي نحن، ونحن هي.
وكلنا معاً نكون هي.
ووجهها مبتسم. تبتسم إبتسامة واسعة، محبة، ضاحكة، مرحة.
ثم تحتضننا بنورها، ورحمتها.
ليست بعباً.
-----
حسناً. أعود من جديد لأكمل ما قلته من قبل.
لأن الجانب الروحاني مهم بالنسبة كان مهماً أن أختار ديناً كي أشبع به إحتياجي.
لكني، كما قلت لكما، كنت أشعر بالإختناق من الدين كما يفسروه لنا اليوم.
يخنقني.
يمنع الهواء عني.
ثم يكتم على صدري حتى يغيب صوتي، وأتحول معه إلى إمعّة، لا تفكر، تقول سمعاً وطاعاً، لا لله، بل لمن يتحدثون بإسم الله.
لذلك فكرت في البداية أن أعتنق المسيحية في صورتها البروتستانتية المنفتحة (فكما تعرفان هناك أيضا حركات بروتستانتية متطرفة)، ثم مرت علي فترة فكرت فيها أن اتحول إلى البوذية، بإعتبارها فلسفة رائعة للحياة.
ثم قررت ان الأفضل أن لا أهرب إلى الحلول السهلة.
الأسهل أن أغير ديني. الأصعب أن ابقى في هذا الدين، الذي لا زلت احبه، وأًصر على أن إصلاحه ممكن. ولذلك، عندما يكتب إلى بعض القراء الأعزاء قائلين بغضب: "هذا هو الإسلام، إما أن تأخذيه كما هو أو أن تتركيه". فإن ردي ببساطة: "لا لن أتركه، لكني لن اقبل به كما هو".
إصراري على هذا الموقف يرتبط جوهراً بإدراكي للجانب البشري في الأديان. فكثير إن لم يكن جل ما نمارسه على أنه اوامر من الله لايزيد عن طقوس إبتكرها من آمن بالدين ثم تحولت مع الوقت إلى أصنام، وقف عليها حراس، سموا أنفسهم علماء وشيوخ، ثم قالوا: إركوعوا لها أو كفرتم.
بالتأكيد لاحظتما أن مجرد قولي أني فكرت أن اترك الإسلام وأتحول إلى دين اخر، فإن هذا يعني أني على قناعة أن من حق الإنسان أن يغير دينه إلى دين أخر.
من حق الإنسان أن يختار دينه.
عبارة بسيطة، اليس كذلك.
كونك ولدتَِ مسلماً او مسلمة ليس قدراً تستلم أو تستلمين له.
يولد الإنسان حراً.
وحريته تتبدى في مقدرته على إتخاذ القرارات. وهل هناك أهم من قرار إختيار الدين؟
مفهوم الإسلام الإنساني يحترم حرية الإنسان في إتخاذ قراراته.
هو لايقبل بفكرة أن المسلم لا حق له في تغيير دينه. لا يقبل بمفهوم الردة عن الإسلام.
والغريب أن "الردة" لا تستخدم إلا في حال إعتناق المسلم لدين أخر. لكن عندما يتحول مسيحي أو يهودي أو هندوسي إلى الإسلام يتحول نفس الفعل، نفس القرار، بقدرة قادر إلى"هداية" و"رجوع" إلى الحق.
إستخدموا نفس المعايير التي تتعاملوا بها بين بعضكم مع غيركم، وستصبح الأمور أكثر وضوحاً.
أدري أن كل الأديان تتعامل مع تحول الأخرين إلى صورتها من الدين بنفس المنطق. هي أيضاً تقول إنها "هداية".
لكن ديننا هو الوحيد الذي يطبق عقوبة الإعدام على من يفكر في تغيير دينه الإسلامي.
الإعدام!
نقتل إنسان لأنه قرر أن يختار؟
يقول ببساطة إنه لا يؤمن بالإسلام! فنصر عليه، "بل تؤمن غصباً عنك وعن أبوك كمان".
ألا يبدو ديننا ضعيفا مادام يمسك بالسيف على رقابنا كي نظل فيه؟
ثم أي إيمان سيكون إيمانه إذن؟
حكم الردة جاء في فترة حروب "الردة"، خلال فترة حكم الخليفة أبو بكر الصديق. وهي لم تكن حروب ردة، بل كانت حرب بين ممثلين لدولة جديدة، وجماعات داخل هذه الدولة ارادت ان تحتفظ بالزكاة لمناطقها. دولة جديدة تريد ان تفرض سلطتها على مناطقها. فخرجت بحكم يقتل من ثبتت عليه تهمة "الردة". حكمٌ أعتبره باطلاً.
مثل هذا الحكم لا ينتمي إلى القرن الواحد والعشرين.
مثل هذا الحكم لا يحترم حرية الإنسان.
وحرية الإنسان هي جوهر أي إيمان أو إقتناع بدين.
حرية الإنسان هي جوهر الإسلام الإنساني.
وحرية الإنسان هنا مطلقة، مادامت لا تتعدى على حقوق الغير.
وتفسير هذه العبارة تحديداً يظل هاماً. خاصة وأننا نفصل معني الحرية عادة على مقاس "أهوائنا".
وأنا أريدها أن تكون واضحة.
ولذلك أكمل معكما هذا الحديث الأسبوع القادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق