الخميس، 12 أبريل 2012

أطلقوا سراح الناشط السعودي محمد البجادي!

في مجتمعاتنا يُعتقل من يطالب بمحاكمة من أُوقف دون حكم، و يُسجن من يعبر عن رأي حر، ويُقتل الإنسان فينا كل يوم ألف مرة.

ثم تتوقعون أن لا نطالب بالتغيير؟

-----
قلت مرة لصديقة قديرة في مؤتمر شاركنا فيه مؤخراً أني أكتب عادة عندما أنفعل.
فكيف اكتب إذن إذا كففت عن الانفعال؟
سؤال افتراضي في الواقع. لأن ما يحدث في مجتمعاتنا كل يوم يكفي لحرق أعصاب الإنسان، وإصابته بانهيار عصبي، لا الانفعال فحسب.
كل يوم اقرأ عدة صحف من خلال خدمة البريس ريدر على الأيباد.
ثم اعطف على مواقع إخبارية، قبل أن اتحول إلى جديد الفيس بوك والتويتر. ومع نهاية هذه الرحلة يرتفع ضغطي، واجدني اُهدأ نفسي كي لا أنفجر.
خبر اليوم الذي دفعني إلى كتابة هذه السطور هو ما نشرته الCNN بالعربية عن تصعيد الناشط السعودي المعتقل محمد البجادي لإضرابه عن الطعام الذي بدأه قبل شهر من داخل السجن بالتوقف عن شرب الماء أيضاً.
قضية رأي وحقوق إنسان لخصها إنسان شجاع بموقف سلمي. وبموقفه هذا تمكن دون كلمات من كشف النظام الحاكم السعودي وانتهاكه لأبسط معايير حقوق الإنسان.
الناشط السعودي البجادي هو من منطقة القصيم. اعتقل العام الماضي بسبب مشاركته مع أخرين في اعتصام أمام وزارة الداخلية للمطالبة بالإفراج عن معتقلين سياسيين موقوفين دون محاكمة في المملكة.
لم يطالب الرجل بقلب نظام الحكم.
كل ما دعا إليه هو: إما أن تقدم السلطات هؤلاء للمحاكمة وفقاً للقانون، أو أن تطلق سراحهم.
طلب منطقي.
طلب بسيط.
لكنه أظهر الطبيعة الاستبدادية للنظام الحاكم في المملكة: تقبض على المعارضين، ثم تتركهم مسجونين دون محاكمة دون سبب لسنوات. تتركهم يتعفنون في سجون مكتظة يتناوب فيها المسجونون على النوم، بسبب ضيق المساحة.
الناشط البجادي لم يفعل اكثر مما قاله. كان شجاعاً. وقف امام وزارة الداخلية، صرح بمطلبه المنطقي، ثم دونه على صفحته في التويتر.
والنتيجة متوقعة: داهمته عناصر من الشرطة ومجموعة من رجال الاستخبارات في منزله بمدينة بريدة شمالي العاصمة الرياض، ثم صادرت كتب ووثائق من منزله ومكتبه، إلى جانب جهاز الكمبيوتر المحمول خاصته.

وها هو يقبع هو الأخر في السجن منذ العام الماضي. يخضع للملاحقة أمام محكمة سرية الطابع هي المحكمة الجنائية المتخصصة.

منظمات حقوقية عديدة وعلى رأسها منظمة العفو الدولية أثارت قضية البجادي أكثر من مرة. العفو الدولية قالت في الوقت ذاته أن السبب الوحيد لتوقيفه قد يكون تعبيره الحر عن رأيه.

الناشط البجادي لم يصمت من جديد. لجأ إلى وسيلة المهاتما غاندي، رائد مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني السلمي، فأضرب عن الطعام منذ شهر، ثم انقطع عن شرب المياه.

فرجت معدته الخاوية أرجاء المملكة.

ألا يحق لي أن أنفعل؟ أن أتألم؟

ففي مجتمعاتنا يُعتقل من يطالب بمحاكمة من أُوقف دون حكم، و يُسجن من يعبر عن رأي حر، ويُقتل الإنسان فينا كل يوم ألف مرة.

ثم تتوقعون أن لا نطالب بالتغيير؟


إلهام مانع

الثلاثاء، 3 أبريل 2012

نصوصنا السماوية نحترمها... لكنها بشرية 4

هل يجب أن أقولها لكما صراحة؟
أن أجهر بها علانية.
حسناً.
سأقولها لكما. كما هي. ولعلكما ستبتسمان في سركما. فما أكثر ما كتمناه في أنفسنا، نعرفه، لكننا نخشى أن نقر به، حتى في حنايا الروح.
أنا أخاف.
نعم.
أخاف.
كلما أردت أن اكتب لكما عن الطبيعة البشرية للنص القرآني، تجداني أتراجع. وأخاف.
والخوف منطقي. أليس كذلك؟
كيف لا أخاف، وكل من حاول التعرض إلى هذه الموضوع مهدد بالتكفير والقتل؟
لكن الحديث عنه اصبح ضرورياً. لامجال للالتفاف على الموضوع.
أتعرفان لماذا؟
لأننا لا زلنا نطرح نفس الأسئلة التي طرحها أجدادنا قبل اكثر من قرن ونصف. نفس الأسئلة. كما هي، بلا تغيير. كأننا فقدنا المقدرة على التفكير والتجديد.
نطرح نفس الأسئلة عن الدولة، عن الشريعة، عن المرأة، عن المواطنة وعن الحياة: "هل يمكننا أن نفصل بين الدين والدولة؟ ما موقع الشريعة من أحكام الدولة الجديدة؟ هل يصح للمرأة ان تتولى دوراً قيادياً؟ (في أي عصر نحيا؟)، هل يمكن لغير المسلم أن يتولى منصب الرئيس؟ ثم هل تتماشى حقوق الإنسان مع الفكر الإسلامي؟ وماذا عن الزواج بأربعة نساء؟ ثم ماذا عن التسري بالجواري؟" لم أنس حديث السلفي التونسي بعد! فلا تلوماني.
نفس الأسئلة نكررها، نبحث عن أجوبة لها، ثم ننسى، ونعيد السؤال من جديد، ونلهث ونحن نعيد، كأننا مصابون بفقدان ذاكرة، يجعلنا لا نعي أننا ندور في حلقة مفرغة، ندور حول أنفسنا.
كأننا رسمنا دائرة ودخلنا فيها، وقلنا لأنفسنا، لا يصح التفكير خارج هذه الدائرة.
الدائرة أسمها القرآن الكريم. فالقرآن الكريم هو كنيستنا. هو كنيستنا. جعلناه رديفاً لله سبحانه وتعالى. إذا شككنا في نصوصه، اصبح إيماننا مطعوناً. أصبحنا كفره.
شببنا وكبرنا على رؤية تقول لنا، إن القرآن هو كلام الله، حرفياً، أنطق به رسوله الكريم، الذي دونه كما هو. بدون تغيير، بدون تبديل. ولذلك تصر هذه الرؤية كلما قرآنا القرآن، أن تبدأ بعبارة "قال الله تعالى".
ومتى ما بدأناها بهذه العبارة أصبح من الصعب علينا أن ننتقد؛ أن نستغل ملكة العقل التي يفترض أنها تميز الإنسان، تجعله يفكر، يتساءل، ثم يطرح السؤال "هل يصلح هذا الحديث ليومنا هذا"؟
-----
نحن ندور في حلقة مفرغة فعلاً. فالتجديد في الدولة والمجتمع يتطلب إصلاحاً سياسياً وفكرياً، وقبله إصلاحاً دينياً.
والإصلاح الديني الذي اعنيه لا يقبل بعبارة "المشكلة في الإسلام هم المسلمون أنفسهم، الذين لم يفهموا دينهم" أو "المشكلة في الإسلام هم المفسرون الذين لم يعرفوا كيف يفسرون القرآن".
لا. لم يعد هذا الحديث مقنعاً. فلنخرج معاً من هذه الدائرة المغلقة للتفكير.
دعوني أقولها لكما بوضوح، مشكلة ديننا الإسلامي الحنيف يتعلق بالنص الديني نفسه.
المشكلة في النص.
وفي إصرارنا على أن هذا النص هو كلام الله المنطوق. وليس نصاً نطق به الرسول الكريم على مدى عشرين عاماً، في سجاله مع محيطه ومن حوله.
ولأننا نصر على ذلك اصبح من الصعب علينا أن ننتقد النص الديني. والنقد ضروري، لا مفر منه.
هذه هي مشكلتنا.
نحن نصر على أن كل الكتب السماوية الدينية الأخرى محرفة، حرفها البشر، الكهنة والقساوسة. إلا كتابنا نحن. وخرجنا على أنفسنا بنظرية أن الله عز وجل حفظ القرآن الكريم من التحريف. وعندما نطرح السؤال، ولماذا لا يجرى على القرآن ما جرى على الكتب الدينية الأخرى، يأتي الرد، لأن هناك نصاً في القرآن يقول ذلك! كأن وجود هذا النص هو دليل على مصداقية هذه الفرضية؟ كيف تثبت النص بالنص نفسه؟
وأنا أتساءل، لماذا نستثني القرآن من بشرية نصوصه؟ الدراسة التاريخية للكتب السماوية الأخرى اظهرت ان من كتبها بشر. لم يقلل هذا من قيمتها الدينية، لكنه مكنها من فصل الدين عن الدولة، والبحث عن حلول عصرية لواقعها.
نفس الشيء يمكننا أن نقوله عن القرآن الكريم. نطق به بشر، وكتبه بشر، ولن يضيرنا كثيرا لو أقررنا بذلك.
لو فعلنا ذلك سنستريح ونريح. وسنبدأ فعلاً في مرحلة الإصلاح الديني. سنبحث عن حلول لواقعنا بعيداً عن قال النص كذا وكذا. بل لنقل نحن، ولنتحمل مسؤولية مصيرنا.
حينها فقط سنتمكن من الإصلاح الديني الجذري، لأننا سنتمكن من قراءة نصوص القرآن دون هالة التقديس التي تمنعنا من نقدها.
سُتمكننا مثلاً من القول إن عبارة "وما ملكت أيمانكم" التي وردت في النص القرآني مرتبطة بتاريخها. تاريخ القرن السابع الميلادي الذي كان لا يجد غضاضة في تملك الجواري والعبيد.
لكني مع احترامي لتاريخية هذا النص، لن اقبل به كمرجع ينظم حياتي ويحمي كرامة الإنسان وحقوقه في زمننا هذا. لن أقبل بالعبودية، لأنها وردت في القرآن الكريم. بل سأرفضها.
ستمكنننا من النظر إلى النصوص التي تدعونا إلى "قتل الكفرة والمشركين" باعتبارها نصوصا متعلقة بمرحلة تاريخية مختلفة. لكنها بالتأكيد لا تصلح أساساً ينظم مفاهيم المواطنة في دولة حديثة.
----
سر معروف مكنونه، لكننا لا نريد أن نراه. ولذلك ظل السر مكشوفاً، لكننا نحن من يغطيه بعقولنا.
القرآن الكريم تراثي الديني. احترمه، وأجله، لكني لا أقدسه.
فالتقديس يعني أن أخذ بكل ما فيه دون تفكير، دون تمحيص، ودون نقد. والنقد، أكرر، ضروري، لا مفر منه.
لا أقدسه، كما تقدسه المؤسسة الدينية. تعتبره صنماً، وتعبده، ثم تحله محل الله، وتقول هو الله. ومن قال غير ذلك فقد كفر. وتنسى في الوقت نفسه أن تعبد الله بدلاً منه. تنسى أن تبحث عنه في النور من حولها.
لكننا رضعناه خوفاً. تعلمناه منذ طفولتنا، أنا وأنتِ وأنتَ، أن الإيمان يجب أن يكون كما يقولون. ومن خرج عن هذا الرأي اصبح كافراً.
اليوم أخرج عن هذا الرأي. رغم خوفي. ومع خروجي عنه أمزق معه هذه الشرنقة.
وأقول لكما، إنه بالإمكان أن يكون الإنسان مسلماً ويقول ببشرية القرآن الكريم.
هذا ممكن.
أكررها. يمكننا أن نكون مسلمين ونقول ببشرية القرآن الكريم. ثم نخرج عن إطاره في حياتنا.
فالمسألة ليست كما تصورها لنا المؤسسة الدينية: "إما أن يكون الإيمان كما تقول أو لا نؤمن".
أنا مؤمنة، لكني لا أؤمن كما يؤمنون.
تماماً كما أني لم أخرج من دائرة الإيمان.
لأن إيماني بالله عز وجل لا يعتمد على كتاب ديني، أياً كان هذا الكتاب.
أكررها لكما: إيماني بالرحمن عز وجل لا يعتمد على كتاب ديني.
والغريب، أني يوم وصلت إلى هذه القناعة زاد إيماني أكثر.
أصبحت استشعر الرحمن روحانيةً في الكون بأسره، في الطفل وهو يبتسم، في الزهرة وهي تتفتح، في النسمة وهي تلحف وجهي، وفي الإنسان والخير الذي فيه.
نعم، في النور وضياءه.
استشعر هذه الروحانية وأعيشها بكل جوارحي.
ربما لذلك بدأ ذلك الخوف الذي الجمني كثيراً يتلاشى.
يتلاشى تدريجيا، كالظلام يتبدد أمام ضياء الفجر.
فلا تكفراني.
بل تدبرا فيما قلته.
ثم إبحثا بنفسيكما عن رد لهذا السؤال: لمَ نستثني القرآن من بشرية نصوصه؟ وحبذا لو بحثتما عن الرد من خارج إطار القرآن الكريم.
موعدنا الأسبوع القادم.
إلهام مانع