الخميس، 6 أكتوبر 2011

حرية بدون "ولكن"! 16

سأطرح عليكما مثالاً، وأعرف اني سأصدمكما به. إعذراني. لكن لابد مما ليس منه بد.
هل تعرفان شخصاً، رجلاً او إمرأة، من المثليين؟
كلمة "مثلي" هي التي استخدمها لأصف شخصاً نسميه في مجتمعاتنا "شاذا"، "لواطياً"، او "سحاقية".
"مثلي" او "مثلية" هي الكلمة التي افضلها، لأنها لا تطلق أحكاماً أخلاقية على هذا الشخص. كلمة محايدة. لا تقف مع، او ضد، هذا الشخص. هي فقط تصف توجهه او توجهها الجنسي.
ولأنها تفعل ذلك، فهي ببساطة لا تعبر إلا عن إحترام لهذا الشخص، بغض النظر عن توجهه او توجهها الجنسي.
هل إنزعجتما؟
تسألان، كيف أحترم شخصاً نسميه "لواطيا"، او نسميها "سحاقية"؟
والله اني احترمهما.
في تعاملي مع غيري، لا أرى غير الإنسان في هذا الغير.
وسلوك هذا الشخص، مادام يخصه هو أو هي، شأنه.
شأنه الخاص.
لن أطلق احكاماً، ولن اصف ما يفعلاه إنحرافاً. إتجاهما الجنسي ليس إتجاهي، لكن هذا ايضاً شأني الخاص.
لدي أصدقاء وصديقات من المثليين، ولم اعرف منهم إلا كل خير.
بعض منهم متدينون. بعض منهن متدينات. أي والله، يؤمنون بالله ويؤدون صلواتهم، رجالاً ونساءاً.
بعض منهم فروا من الدين، أيا كان هذا الدين، لأنه لا يقبل بهم كما هم. بعض منهن فررن من الدين، أيا كان هذا الدين لأنه لا يقبل بهن كما هن.
فكل الأديان التوحيدية، والإسلام واحد منها، لا يقبل بالمثلية الجنسية.
بطبيعة الحال لن أشير إلى موضوع الغلمان لدينا، المذكور في القرآن، فتلك قضية اخرى، لا يمكن وصفها بالمثلية، بل تدخل في إطار الإستغلال الجنسي للأطفال. وهي جريمة، تهتك براءة طفل. وتستحق العقاب. لكن هذا موضوع اخر كما قلت، موعده لم يأت بعد.
وكثير من المجتمعات تعاقب من يمارس المثلية الجنسية. مجتمعاتنا واحدة منها.
وغيرها إستغرق وقتاً حتى كف عن تطبيق هذا العقاب.
وأعرف اننا لسنا وحدنا في موقفنا الرافض للمثلية الجنسية. اعرف اشخاصاً هنا في سويسرا والولايات المتحدة "لايطيقون"اشخاصاً من المثليين. ويطلقون كلمات ساخرة في حقهم /حقهن.
لكن مواقفهم الرافضة، تظل في حدود "الموقف" الرافض، لا "الفعل".
أن نحترم حرية الإنسان، لا يعني أن نقبل بكل ما يفعله هذا الإنسان.
ما يعنيه فقط أن حرية الإنسان شأن خاص.
طالما ان ما يفعله يتعلق به، وأنه يمارس المثلية الجنسية مع شخص بالغ، فهذا شأنهما.
شأنهما.
ليس من حق القانون أن يعاقبهما على فعل إتخذاه بمل إرادتهما.
لاحظا اني قلت القانون، لأن القانون هو المحك في هذا الموضوع.
المجتمع يحتاج إلى وقت إلى "التعايش" مع انماط مختلفة من "السلوك الجنسي".
والدين يتطور مع الوقت حتى يصبح من الممكن أن يقبل بالمثليين في رحاب الله.
لكن الجميل في الموضوع أن هناك كنائس بروتستنتية تقبل بالمتدينين من المثليين والمثليات في صفوفها.
تماماً كما أن هناك كنيسة الكريست الكاثوليكية، التي إنشقت عن الكنيسة الكاثوليكية، وأيضا تضم بين صفوفها المؤمنين من المثليين والمثليات.
الإسلام الإنساني يقبل أيضا بهذه الفئة من الإنسان.
يقبل بها دون "لكن".
يحترم حرية الإنسان، دون ان يلحقها بكلمة "لكن".
الدين دوره أن ينظم علاقة الإنسان بالرحمن. لا اكثر ولا أقل.
أن نصر أن الله يكره هذا "النوع" من البشر، أمر لا يقنعني. لأن المسألة ببساطة، أن المثلية الجنسية ليست "إختيار". لم يفق إنسان يوماً وقال، "سأصبح مثلي". بل تجد منهم الكثيرين والكثيريات، يعانون ويعانين كثيراً قبل أن يقبلوا ويقبلن بإتجاهم/هن الجنسي.
هي جينات في تكوين هذا الإنسان. صحيح ان هناك عوامل إجتماعية تدخل في الموضوع، لكن الأساس هو جينات يخلق بها الإنسان. ومادام الأمر كذلك، فكيف يكره الرحمن ما صنعه؟
ما نجده في الكتب المقدسة، ومنها القرآن الكريم، أمر اخر. لأنها ببساطة تعكس في كثير من جوانبها "القناعات المجتمعية" خلال "فترة زمنية تاريخية محددة".
---
تعمدت عزيزتي القارئة، عزيزي القاريء ان استخدم هذا المثل كي أفسر ما قلته في المقال السابق عن مفهوم الحرية، الذي يقوم عليه الإسلام الإنساني.
تعمدت أن استخدم هذا المثل لأني أدري أنه يناقض صميم واحد من اشد القناعات رساخة في منظومة القيم والتقاليد السائدة لدينا. وهدفي ليس أن اصدم. بل أن اوضح، أني عندما اتحدث عن الحرية، اعني بها حرية مطلقة.
إسلام إنساني، يحترم الإنسان، يحترم حريته، ويحترم إرادته. وإرادته هي مسؤوليته. ومادامت هذه المسؤولية وتبعاتها تتعلق به او بها شخصيا، فإن لا حق للقانون أن يتدخل في هذه الحرية.
تذكرا ردة فعل بعض المتحدثين بإسم التيار المحافظ في حركة الأخوان المسلمين المصرية على خطاب اردوغان، الذي دعا فيه إلى العلمانية وفصل الدين عن الدولة.
بعض منهم قال إن تركيا لا تعاقب "جريمة الزنا"، في حين ان هذه الجريمة تعاقب عليها الشريعة بالرجم. ولذا فإن تركيا لا تمثل نموذجاً لهذا التيار في حركة الأخوان المسلمين.
أنا انتمي إلى تيار يمكن وصفه بالمحافظ في مسائل العلاقات الجنسية. صحيح أني لا اجد غضاضة في مسألة الحب وممارسة الحب قبل الزواج، لكني أؤمن أني عندما قررت أن اتزوج، فأن زواجي يعني إلتزامي أمام هذا الرجل الذي اخترته. وأن هذا الإلتزام يجب أن يكون متبادلاً.
هذا موقفي.
إذا خانني زوجي سأتألم كثيراً. خاصة وأن العهد يقوم على الثقة والآمان. لكن ان أطالب بقانون يعاقب هذا الرجل بالرجم إذا فعل ذلك أمر لا اقبله. "هل يشفي غلي ان ارى رأسه يتهشم بحجارة يرميها بشر؟" أي عقاب وحشي هذا؟
هي مسألة بيني وبينه. ما سأفعله هو أني سأترك هذا الشخص. لأنه خان العهد.
لماذا نصر على أن نقحم الدين بأنواع وحشية من العقاب في أمور تظل إنسانية في الصميم؟
ثم لماذا نخاف من هذا الإنسان إلى هذا الحد؟
نقيده بسلاسل. نكمم فمه وعقله، ثم نقول له تحرك في إطار هذه الدائرة، لا تخرج منها. عليك اللعنه إن انت فعلت.
أية حرية يتحدثون عنها إذن؟ تبدو لي مفصلة على نفس "الثوب السعودي والإيراني"، النموذجيين الدينيين في منطقتنا.
حرية من نوع "نعم، ولكن".
"الحرية" السعودية، تعني أن تنقض على أي شخص يشتري وردة حمراء في عيد الحب!
تعاقب هذا الشخص. وتخاف من الوردة؟
مسكينة أيتها الوردة!
و"الحرية" السعودية والإيرانية تعني أن تهجم شرطة "الأخلاق" على أي شاب وشابة يمسكان بإيديهما وهما يتمشيان.
ولن يهم كثيراً إذا كانا متزوجين او حبيين.
الحب. أجمل علاقة إنسانية، مكروهة في الفكر الكهنوتي، والدول التي تطبق هذا الفكر.
وحرية "حزب الله" ادت إلى إرهاب اصحاب المتاجر ممن يبيعون المشروبات الكحولية في المناطق "المحكومة" بسلطة "دولة" حزب الله.
تماما كما أن "حرية" السودان أدت إلى جلد فتاة لا لشيء إلا لأنها لبست بنطلوناً.
بأي منطق تتحدث هذه الدول والفكر الديني الذي يطبقوه؟
منطق القرون الوسطى.
لا أكثر ولا أقل.
أن نحترم حرية الإنسان الشخصية، يعني أن نحترم كرامته. وكرامته في إختياره.
لا يحق للدولة أن تتحول بإسم الدين إلى وصي على هذا الشخص، تقول له ما يجب أن يأكله، يشربه،كيف يلبس ملابسه، مع من يأكل ويتقابل، من يحب ومن يكره، بل كيف يمارس الجنس مع زوجته، ويدخل الحمام، ويتخلص من فضلاته!
أي دين هذا الذي يتدخل في أخص شؤوننا؟
ونقول أن الله هو الذي يريد؟
الله هو الذي يقول لي كيف أدخل إلى الحمام؟
وأن ابسمل قبل أن امارس الجنس مع زوجي؟
الله هو الذي يقول لي كيف ألبس ملابسي؟
ما دخل الله في هذا الموضوع.
بل هم رجال، كتبوا بإسم الله، ثم قالوا إن الله يقول.
فصدقنا. مسكين أيها العقل.
ليس دين. بل وصاية.
وهذه الوصاية يجب أن تزول.
وزوالها مرتبط بمفهوم ثاني اساسي يقوم عليه الإسلام الإنساني. مفهوم العقلانية. والعقلانية ترتبط بالنص الديني.
وحديثه الأسبوع المقبل.
إلهام مانع

الجمعة، 23 سبتمبر 2011

إنسان حر 15

هل تذكران ما قلته مرة في مقال سابق، إن الدين ليس هوية.
لست مسلمة.
وهويتي ليست الإسلام.
الهوية أكثر تعقيداً من أن احصرها في الدين. تماماً كما أن الدين ليس هوية، الدين إختيار.
الدين إختيار.
قلت أيضاً أني اخترت أن أكون مسلمة.
هل تذكران؟
قلت اني اخترت ان اكون مسلمة، ولم أقل أني مسلمة.
وهذا يعني أنني إتخذت قراراً بالبقاء في الإسلام.
ولا أكتمكما سراً أني فكرت أكثر من مرة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أن اترك الدين الإسلامي واعتنق ديناً اخراً.
فإنتشار المد السلفي والتفسيرات الأرثوذكسية للدين الإسلامي، تحاملها على المرأة، إضافة إلى إصرارنا على دفن رؤوسنا في الرمال عندما يتعلق الأمر بالحركات الدينية المتطرفة ودعوتها إلى العنف (اعني الجهاد)، جعلني اطرح السؤال على نفسي: هل تريدين فعلاً أن يكون دينك الإسلام؟
سؤال مهم.
بطبيعة الحال، مجرد طرح السؤال بهذه الصيغة يعني ببساطة أن الجانب الروحاني المتعلق بالإيمان يظل هاماً بالنسبة لي.
لست مصنوعة من مادة فقط. هناك جانب روحاني في يتعطش إلى الإشباع، يبحث عن آفاق بعيدة،يعود منها إلى الروح، يناجيها ثم يدعوها إلى التأمل. لم يكن الإستهلاك يوماً أمرأ مشبعاً لي، تماماً كما أن الإستمتاع بالحياة الذي اعتبره واجباً على الإنسان، لا يمثل إلا جانباً من الحياة.
هناك شيء ما أكبر. أكبر مني ومنكما. وهذا الشيء الأكبر أسميه الله. غيري في اديان توحيدية وغير توحيدية يسميه بأسماء أخرى، لكننا جميعاً نبحث عن الشيء نفسه. نبحث عن معنى للحياة. وهناك من وجد هذا المعنى دون رب، فهنيئاً له. هذا حقه. هذا رأيه. اقبل به، دون إمتعاض.
بالنسبة لي، الله لم يمت. لم أقتله كما قتله غيري.
لازال حياً في وجداني.
لكن الله الذي اعدته إلى حياتي لا علاقة له بصورة الرب الذي تطرحه علينا الأديان التوحيدية بصورها الأرثوذكسية.
"رجل غاضب، وجهه متجهم، يكيل علينا اللعنات لأننا نحيا على وجه البسيطة". هكذا يصوروه لنا.
الرحمن الذي اؤمن به او بها (لم يقل احد أن الله رجل، ولذلك تمكن الإشارة إليه بصيغة المذكر أو المؤنث، مادمنا نعرف أن الإشارة إليه بصيغة المذكر مجازية) لايزيد عن قوة أكبر منا، قوة خير ومحبة، نور وسلام، ترمز للعدالة والمساواة.
قوة فينا، وقوة من حولنا، وقوة تنسج بنورها خيوط الكون معاً في وحدة واحدة.
هي نحن، ونحن هي.
وكلنا معاً نكون هي.
ووجهها مبتسم. تبتسم إبتسامة واسعة، محبة، ضاحكة، مرحة.
ثم تحتضننا بنورها، ورحمتها.
ليست بعباً.
-----
حسناً. أعود من جديد لأكمل ما قلته من قبل.
لأن الجانب الروحاني مهم بالنسبة كان مهماً أن أختار ديناً كي أشبع به إحتياجي.
لكني، كما قلت لكما، كنت أشعر بالإختناق من الدين كما يفسروه لنا اليوم.
يخنقني.
يمنع الهواء عني.
ثم يكتم على صدري حتى يغيب صوتي، وأتحول معه إلى إمعّة، لا تفكر، تقول سمعاً وطاعاً، لا لله، بل لمن يتحدثون بإسم الله.
لذلك فكرت في البداية أن أعتنق المسيحية في صورتها البروتستانتية المنفتحة (فكما تعرفان هناك أيضا حركات بروتستانتية متطرفة)، ثم مرت علي فترة فكرت فيها أن اتحول إلى البوذية، بإعتبارها فلسفة رائعة للحياة.
ثم قررت ان الأفضل أن لا أهرب إلى الحلول السهلة.
الأسهل أن أغير ديني. الأصعب أن ابقى في هذا الدين، الذي لا زلت احبه، وأًصر على أن إصلاحه ممكن. ولذلك، عندما يكتب إلى بعض القراء الأعزاء قائلين بغضب: "هذا هو الإسلام، إما أن تأخذيه كما هو أو أن تتركيه". فإن ردي ببساطة: "لا لن أتركه، لكني لن اقبل به كما هو".
إصراري على هذا الموقف يرتبط جوهراً بإدراكي للجانب البشري في الأديان. فكثير إن لم يكن جل ما نمارسه على أنه اوامر من الله لايزيد عن طقوس إبتكرها من آمن بالدين ثم تحولت مع الوقت إلى أصنام، وقف عليها حراس، سموا أنفسهم علماء وشيوخ، ثم قالوا: إركوعوا لها أو كفرتم.
بالتأكيد لاحظتما أن مجرد قولي أني فكرت أن اترك الإسلام وأتحول إلى دين اخر، فإن هذا يعني أني على قناعة أن من حق الإنسان أن يغير دينه إلى دين أخر.
من حق الإنسان أن يختار دينه.
عبارة بسيطة، اليس كذلك.
كونك ولدتَِ مسلماً او مسلمة ليس قدراً تستلم أو تستلمين له.
يولد الإنسان حراً.
وحريته تتبدى في مقدرته على إتخاذ القرارات. وهل هناك أهم من قرار إختيار الدين؟
مفهوم الإسلام الإنساني يحترم حرية الإنسان في إتخاذ قراراته.
هو لايقبل بفكرة أن المسلم لا حق له في تغيير دينه. لا يقبل بمفهوم الردة عن الإسلام.
والغريب أن "الردة" لا تستخدم إلا في حال إعتناق المسلم لدين أخر. لكن عندما يتحول مسيحي أو يهودي أو هندوسي إلى الإسلام يتحول نفس الفعل، نفس القرار، بقدرة قادر إلى"هداية" و"رجوع" إلى الحق.
إستخدموا نفس المعايير التي تتعاملوا بها بين بعضكم مع غيركم، وستصبح الأمور أكثر وضوحاً.
أدري أن كل الأديان تتعامل مع تحول الأخرين إلى صورتها من الدين بنفس المنطق. هي أيضاً تقول إنها "هداية".
لكن ديننا هو الوحيد الذي يطبق عقوبة الإعدام على من يفكر في تغيير دينه الإسلامي.
الإعدام!
نقتل إنسان لأنه قرر أن يختار؟
يقول ببساطة إنه لا يؤمن بالإسلام! فنصر عليه، "بل تؤمن غصباً عنك وعن أبوك كمان".
ألا يبدو ديننا ضعيفا مادام يمسك بالسيف على رقابنا كي نظل فيه؟
ثم أي إيمان سيكون إيمانه إذن؟
حكم الردة جاء في فترة حروب "الردة"، خلال فترة حكم الخليفة أبو بكر الصديق. وهي لم تكن حروب ردة، بل كانت حرب بين ممثلين لدولة جديدة، وجماعات داخل هذه الدولة ارادت ان تحتفظ بالزكاة لمناطقها. دولة جديدة تريد ان تفرض سلطتها على مناطقها. فخرجت بحكم يقتل من ثبتت عليه تهمة "الردة". حكمٌ أعتبره باطلاً.
مثل هذا الحكم لا ينتمي إلى القرن الواحد والعشرين.
مثل هذا الحكم لا يحترم حرية الإنسان.
وحرية الإنسان هي جوهر أي إيمان أو إقتناع بدين.
حرية الإنسان هي جوهر الإسلام الإنساني.
وحرية الإنسان هنا مطلقة، مادامت لا تتعدى على حقوق الغير.
وتفسير هذه العبارة تحديداً يظل هاماً. خاصة وأننا نفصل معني الحرية عادة على مقاس "أهوائنا".
وأنا أريدها أن تكون واضحة.
ولذلك أكمل معكما هذا الحديث الأسبوع القادم.

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

للمرة الألف، الهوية إنسان! (14)

كم مرة رددتها عليكما؟ ولعلكما تعبتما من كثر سماعها. أن الهوية إنسان.
الهوية إنسان.
للمرة الألف: الهوية إنسان.
وبعضكما سيتساءل عن سبب تكراري للعبارة، وإصراري عليها.
بعضكما سيقول متعباً: "فهمنا، تقولين أنك إنسان أولاً. وبعد؟"
لكن للهوية تداعيات.
للهوية نتائج.
والهوية التي سنختارها في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا، هي التي ستحدد مسار المستقبل. هي التي ستحدد ما إذا كانت ثورات شبابنا وشاباتنا ستحقق لهما المستقبل الذي ضحيا بإنفسهما من أجله، أم لا.
أسألكما سؤالاً: ما هو جوهر الرسالة التي يصر عليها الإسلام السياسي؟
عندما يبدأ في الحديث إليك أيها الشاب، أيتها الشابة، على أي وتر يلعب؟
هل يقول لكما: انت مصري، مصرية؟ يمني، يمنية؟ تونسي تونسية؟ ليبي، ليبية؟ هل يقول لكما: أنتما إنسان؟
لا.
سيبدأ بالحديث إليكما بوضع فاصل بينكما وبين "الغير".
سيقول لكما إن الحب جوهر رسالته، لكن مع الوقت ستتبدى ملامح هذه الرسالة وسيكون من الجلي أن الحب ليس لُبها. بل التمييز ثم الكراهية: لا تقول "مصري". الهوية ليست وطنية. لا تقول "إنسان". الهوية ليست إنسان. بل قل "الهوية إسلامية".
ورجوتكما أن لاتفهماني خطأً. جوهر الإسلام الإنساني هو إحترام حرية الإنسان وإرادته. وإذا اراد هذا الإنسان أن يحدد الدائرة الأولى من هويته في الدين، فهذا حقه، طالما أنه لا يرفض غيره او يؤذيه.
لكن رسالة الإسلام السياسي، غير ذلك.
رسالة الإسلام السياسي، تقول لكما: أنتما صنف، وغيركما صنف اخر. فلا تختلطا بالغير. تجنبا هذا الغير، ثم لا تأكلا معه على طاولة واحدة. حتى في التحية التي يتبناها كعنوان لرسالته، يفصل بينكما وبين "الآخر"، أياً كان هذا "الآخر".
هل لاحظتما مثلاً موضوع تحية الإسلام التي تصر عليها جماعات الإسلام السياسي؟
جماعات الإسلام السياسي تصر على التحية بعبارة "السلام عليكم".
ولا اكتمكما سراً أني كنت دائماً أحب هذه التحية. ما أجمل السلام تحية، اليس كذلك؟ لكني انتبهت وأنا في السادسة عشرة، بعد عودتي من المغرب، إلى حديث "الداعيات" من الأخوات “المسلمات“، ثم أكمل على حديثهن منهاجهنا التعليمي الديني في اليمن، ذلك الذي صممه الشيخ عبدالمجيد الزنداني، الأب الروحي لإسامة بن لادن، وأستورده من قلب الفكر الوهابي.
أقول إنتبهت إلى التوصيات التي قيلت لي عن تحية الإسلام:" ‘السلام عليكم‘ تُقال للمسلمين، وللمسلمين فقط!!"
وعندما إرتفع حاجباي متسائلين: "وماذا عن غير المسلمين؟"، جاء الرد: "لاتقال لغير المسلمين!!" (على فكرة هذا التفسير للسلام والتحية يُدرس في مناهج المدارس الإبتدائية للمملكة السعودية أيضاً".
أعود وأكرر السؤال، "لماذا؟"
أووف. كم يكرهون هذا السؤال. هم لا يحارون جواباً. بل يتعمدون عدم الرد، كي لا تنفرا من رسالتهم.
لماذا لا تقال لغير المسلمين؟
ببساطة شديدة لأن "عهد السلام" هو مع "المسلمين"، لا "غير المسلمين".
بكلمات أخرى، هم يقولون "السلام عليكم" للمسلمين، ولغير المسلمين يحتفظون بتحية أخرى في قلوبهم: "والحرب عليكم، فلا سلام لغير المسلمين".
وإذا كانت تحيتهم، تفصل بين البشر، وتمنح السلام لمن يؤمن "بالدين كما يؤمنون به"، وتمنعه عن "غير المؤمن"، فبالله عليكما، أية دولة ستبنيها هذه الجماعات؟ واية حقوق ستمنحها للمسلمين وغير المسلمين؟
لا تستهنيا برسالة هذه الجماعات السياسية الدينية.
فهي والظلام صنوان.
لكنها تستخدم الدين غطاءاً كي تصل إلى السلطة. وتفسر الدين على هواها، ثم تقدمه لنا مغلفاً في ورق سوليفان، وتقول لنا: "هذا هو "كلام الله" ومن يعترض ويعارضنا فإنه "ضد الله".
والله أعزائي، عزيزاتي، لا دخل له في الموضوع.
الله هم الذين يقحموه في الموضوع ، كي يرهبوننا.
لذلك اقول لكما إن للهوية تداعيات. للهوية نتائج.
إذا كانت الهوية "دينية" كما تصر الجماعات الإسلامية السياسية، فإن الدولة التي سيقيموها ستكون "دينية" هي الأخرى.
ومادام أساسها ديني، فإن مباديء المواطنة وحقوق الإنسان، تلك المباديء الأساسية للدولة الحديثة المعاصرة، لن تكون جزءاً منها.
لن نكون جميعاً مواطنون ومواطنات متساويين أمام القانون، "بغض النظر عن الدين والجنس واللغة والعرق واللون".
لن نكون إنسان أمام القانون، بل هويات دينية طائفية عرقية جنسية.
ودولتهم ستقوم على تقسيم تراتيبي: المسلم هو مواطن من الدرجة الأولى، "المسلم السني" في الدولة السنية الإسلامية، و"المسلم الشيعي" في الدولة الشيعية الإسلامية. ثم تأتي بعد ذلك درجات أخرى من المواطنة، وكل درجه لها حقوق ومسؤوليات تختلف عن الأخرى. ولذا فإن العدالة، العدالة لن تكون جوهرها. تماماً كما أنها لن تحترم إرادة الإنسان وحريته.
لا تنسيا كيف وعدت حركة حماس عندما استولت على السلطة في قطاع غزة أن تحترم حق المرأة في عدم إرتداء الحجاب، ثم نست وعدها، واصبح الحجاب الآن فرضاً. تماماً كما فعلت إيران بعد أن إستولى الإسلاميون على ثورتها.
في البداية يؤكدون إحترامهم لحرية الإنسان، ثم ينقلبون بعد ذلك ويقولون، "لاحرية فيما نص عليه الدين". و"الدين" هنا هو "تفسيرهم" لهذا الدين، لا أقل ولا أكثر.
ثم لاحظا مثلاً الضجة التي اثارتها الجماعات الإسلامية في مصر عند الحديث عن "حرية الدين". يجعر البعض منهم في وجوهنا قائلاً: "يعني إيه حرية الدين؟ طب لو واحد قال إنه بهائي، هنحترم دينه كمان؟"
أيوه. هنحترم دينه كمان. هو خيار وفقوس؟ نحترم حرية البعض، وننتهكها مع اخرين؟
حرية الدين، حق مطلق. لا نقُصُ منه ونفصل فيه على مقاس أهواءنا "الدينية".
هو حق مطلق.
بهائي، درزي، علوي، مسلم، مسيحي، يهودي، بوذي، هندوسي، ملحد. لا فرق.
لافرق.
الهوية إنسان.
ومادامت الهوية إنسان فإن الدولة التي تقوم على هذا المبدأ، تلك التي تحترم مفاهيم الإسلام الإنساني، ستقوم على مبدأ الفصل بين الدين والدولة. علمانية هي. ولا شيء مخزي في هذا المصطلح. تركيا دولة علمانية. فهل تعتبرونها وصمة عار؟
الهوية إنسان، ولذا فإن الدولة التي تقوم على هذا المبدأ ستعمد إلى سن دساتير وقوانين، تحترم المواطن لديها، رجلاً كان أو أمرأة، بغض النظر عن دينه،ومذهبه، لغته، عرقه، او لونه، وتعامل كل أبناء وبنات الوطن على قدم المساواة. مواطنون ومواطنات. لافرق بينهم في المواطنة.
المواطنة واحدة. مقاس واحد يرتديه كل من يحمل هوية "مواطن".
الهوية إنسان.
للمرة الألف الهوية انسان.
كي نحترم الإنسان في الوطن الذي نبحث عنه.
كي نحترم إرادة الإنسان في الوطن الذي نخرج إلى الشوارع من أجله.
كي نحترم حرية هذا الإنسان في الوطن الذي نحلم به.
كي نحترم كرامته.
الهوية: "إنسان أولاً"، ثم كن بعد ذلك ما تكون.
لأنك إذا كنت إنسان أولاً سترى الإنسان فيمن حولك أولاً. لن ترى دينه، لونه، نوعه، طائفته. بل سترى الإنسان فيه، وإذا رأيته ستكتشف المحبة التي فيه كما هي فيكَ وفيكِ.
الحب.
الحب، لا الكراهية.
----
هذا هو العنصر الأول من الإسلام الإنساني: الهوية إنسان.
العنصر الثاني الذي يقوم عليه الإسلام الإنساني هو "العقلانية، والحرية".
احدثكما عنه الأسبوع المقبل.

الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

إسلام "جديد" 13

"أكتب إليك، لأنك، وكل الكتاب المتنورين، تتحملين قسطاً كبيراً من المسؤولية فيما أعيشه الآن من تشرذم".
هكذا إستهل شاب، لم يكمل بعد الثامنة عشره من عمره، رسالته إلي.
يقول "أعيش هذه الأيام فترة عصيبة من حياتي. فبعد أن عكفت على قراءة بعض الكتب عن الأديان، ودراسة الكتب السماوية، وصلت إلى حقيقة أن الأسلام مثلاً، الذي رضعته منذ طفولتي كان ديناً بشرياً، عكس ما علمونا في البيت والمدرسة".
ويكمل" الآن انا لا أستطيع البوح بأفكاري لأحد... وأصوم مكرهاً".
"تعرفين كم هو صعب أن تعيش هكذا في محتمع لا يقبل أبدأ فكرة الإختلاف".
.."ولو أفصحت عما بداخلي... سيرجمونني، أو يقتلونني، إبتداءاً من البيت".
"اشعر بغرابة شديدة. أصبحت عنصراً شاذاً وسط جيش من الناس المتشابهي الأفكار".
---
الغربة في الوطن. لم اعرف اقسى من هذا الشعور.
تشعر أنك وحيد.
وتشعرين أن صوتك غير مسموع.
لا أحد يفهمك.
كأنك تتحدثين بلغة من كوكب بعيد قصي ... غريب.
وتصرخ بأعلى صوتك، تكاد حنجرتك تنفجر، ورغم ذلك لا يسمعك من حولك. كأن صوتك أخرس. كأن صوتك بلا صوت!
وصوت من حولك يقرع كالطبول على أذنيك، يردد اناشيد مكررة، بنفس النغمة، بنفس الكلمات، بنفس المضمون. ثم يلقنها لك، يدخلها في حنجرتك، يحشرها بين رئتيك، ثم يمسك بعنقك يصر عليك أن تغني معه... شئت أم أبيت. لا يهم. عليك أن تطيع. عليكِ أن تطيعي. عليكما أن تغنيا مع القطيع.
وكنتُ دوماً غريبة.
هادئة كالبركان. يغلي من داخله، لكن حممه لا تبدر من فوهته.
ولذا شعرت بالألم يعتصر روحي وأنا اقرأ رسالة الشاب المفكر. ذاك الذي قرر أن لا يكون نسخة مستنسخة. ذاك الذي قرر أن لايكون جزءا من قطيع.
بالله عليكما، هل نبدو أقوياء أم ضعفاء عندما نصر على من يختلف معنا، أن يكون كما نحن، رغماً عن أنفه.
هل نبدو أقوياء، أم مهترئين خائفين؟
تماماً كُحكامنا المستبدين. يمسكون بتلابيب أعناقنا بالقوة، لأنهم يدركون أن حريتنا ستكلفهم كراسيهم.
وبنفس النسق، حرية التفكير، حرية الإختلاف تبُشر بإنهيار المؤسسة الدينية التقليدية و قراءتها للدين التي تنتمي بجدارة إلى القرون الوسطى.
----
وهي، الصديقة الراقية، قصت علي فترة عصيبة مرت عليها وهي في وطنها سويسرا. فترة إحتاجت فيها إلى السكينة. إلى الله ومحبته. فكانت تذهب إلى بيوت الله من الكنائس. تذهب إليها، تضيء شمعة، ثم تجلس فيها. تبحث عن هدوء الروح... تبحث عن سكينة النفس.
قالت لي "كنت دوماً اشعر بغصة، غصة حارقة. لأني وأنا المسلمة، لا أشعر بأن المساجد المتواجدة لدينا هنا، تقبل بي كما أنا. تقبل بي كما أنا. إما أن أكون على صورتها، أو لا تقبلني".
"وأنا أبحث عن مسجد يقبل بي كما أنا. يقبل بي كإنسانة".
"أبحث عن ذلك المسجد. وأريد ذلك المسجد".
وتكمل"وفكرت فيك. تمنيت لو تمكنا من بناء مسجدٍ، مسجد جديد. يقبل بنا كما نحن. وتكونين فيه إمامة".
أما أنا فتأملت فيما قالته.
كان حلماً، ولا زال حلمي. أن نبني ذلك المسجد. ولن يفرق كثيراً إذا كان الإمام رجلاً او إمرأة. المهم أن يكون مسجداً يصلي فيه الرجل والمرأة معاً.
المهم أن يكون مسجداً يقبل بالإنسان كما هو.
المهم أن يكون مسجداً يحترم آدميتي، ثم حق الإنسان.
مسجد محبة.
مسجد سلام.
مسجد للإنسان.
----
بناء ذلك المسجد يحتاج إلى إسلامٍ جديد.
نعم.
إسلام جديد.
فالدين الذي أراه اليوم لا يحترم آدميتي. تماماً كما أنه لايقبل بالغير مع إختلافه.
ولأني أحب الله، وأحب الإنسان، فأن الدين الذي ابحث عنه هو دين لا يقصي الغير، ولا يكره الغير. تماماً كما أنه دين لا يدعو إلى الجهاد وقتل الأخرين بإسم الله. كالحروب الصليبية التي كانت تقتل بإسم الله في القرون الوسطى، ثم إستفاق بعض من كان يدعو إليها، فخرج إلى القرن الواحد والعشرين.
هو إسلام جديد. أقول "جديد" وأصر عليه.
لأن الترقيع والتجميل الذي دأبنا عليه منذ القرن التاسع عشر لم يفلح، ولن يجدِ.
إسلام لا يؤمن بالمسلمات. بمناطق محظورة على التفكير. ينظر إلى تراثنا بإحترام لكن مع قدر كبير من النقد. ثم يجرؤ على رفض الكثير منه، والبناء على بعض منه.

يدرك أن الإنسان في حاجة إلى الروحانية.
لكنه يدرك أيضا أن الدين إنما وجد من أجل خير هذا الإنسان.
ولذا فإنه يقبل بالإنسان كما هو.
يحترم حرية هذا الإنسان.
ويحترم قراره.
أنا أسميه إسلاماً إنسانيا.
هل تذكران؟
كنت قد وعدت بإكمال سلسلة من المقالات عنه، لكني توقفت في الصيف بسبب ظروف العمل.
فأعذراني.
لكني لم أنس.
لم أنس الوعد.
فالظرف الذي نعيشه اليوم في بلداننا في المنطقة يفرض علينا أن نبني التغيير الذي نشهده على أسس مدنية إنسانية تسمح بالإختلاف، ثم تسمح بالتعددية، كي نتمكن من بناء نظام ديمقراطي. كي نتمكن من خلق المستقبل.
والمسألة ببساطة تتلخص في عبارة واحدة: "الإصلاح السياسي لا يحدث دون إصلاح الدين. الإثنان يأتيان معاً."
ولذا فإن الصمت ليس خياراً. الصمت ليس طريقاً. الصمت تهلكة.
ولذا أكمل معكما حديثي عن العنصر الأول المكون للإسلام الإنساني، "الهوية إنسان".
موعدنا الأسبوع المقبل.

الخميس، 25 أغسطس 2011

يوم دفنت أبي... مع أخي

إبنة تريد أن تدفن أبيها.
أن تصلي على أبيها في المسجد، مع المصلين.
أن تمشي في جنازة أبيها، مع المودعين.
ثم تدفنه مع أخيها في قبره.
تودعه، مع أخيها، بالمحبة والدموع.
تودعه وتشكره.
لم نحرمها من هذا الحق؟
لم نحرمها من حق صلاتها على أبيها؟
لم نجردها من حقها في دفنها لأبيها؟
إبنة وتريد أن تصلي ثم تدفن أبيها.
بأي حق تحرموها من هذا الحق؟

--------------
ستة أشهر كاملة مرت على وفاة أبي. ستة أشهر بالتمام.
واليوم، اليوم فقط تمكنت من خط هذه السطور.
بعد صمت أوجعني.
كنت أريد أن اكتب عن وفاته، ثم عن دفنه.
لكن الحروف كانت تجتمع في كلمات تم تنتظم في اسطر لتدوي خرساء. لا معنى لها. وأنا انظر إليها، ثم اشيح بوجهي. خائبة.
بأية لغة ننعي من نحب؟ فأنا لم أعرف لغة تقدر على وصف حرقة اللوعة وهي تشظي في روحنا عندما ندرك أن من أحببناه إنسل منا، في لحظة كنا فيها غافلين. غِبت مع السحاب أيها الحبيب. فأصبحنا بوراً.
لحظة يتجمد فيها الزمن، نظن أننا نحلم، لا نعي ما قيل لنا، عن موت العزيز.
وأبي، كان عزيزاً، أبي كان أباً فعلاً.
ثم أية كلمات تقدر على وصفِ الفِقد، تدخل في صميمه، تغتسل بدموعه، تنّزه دماً، ثم تنشره، عارياً مسلوخاً مجروحاً مكلوماً، و تتركه، تتركه يجف أنيناً، أنيناً صامتاً... مكسوراً.
ولذا، وضعت الكلمات جانباً. نفرت منها، وسئمتها. قلت لها: "عليك اللعنة. لن أقربك، ولن أنطق بك. كوني صامتة. كوني خرساء. كوني لغيري كلمات. أما أنا فلاكلماتٍ لي في نعيه".
ألايحق لي أن أغضب؟ وهي التي تأبى إلا أن اختنق بحزني؟
----------
لكني اليوم نظرت إلى لوحة المفاتيح...تأملت شاشة الكمبيوتر، ثم تركت اصابعي تتحرك على اللوحة، قلت لها إفعلي ما تشائين، وأنا أتبعك. فكتبت.
لم ترد أن تكتب عن حزن صاحبتها، ولا فقدها لإبيها. فالكلمات لن تقدر عليهما. تركت ذلك لصاحبتها، حزنها لها، ستداويه بالمحبة والذكرى.
لكن ذكرى دفنه. دفن أبيها ظلت تؤرقها. ولذا ستقصه عليكما.
-------
أردت أن أشارك في دفن ابي والصلاة عليه.
وكنت أعرف أن عاداتنا في شبه الجزيرة العربية تختلف. ولعلها تتشابه مع بلدان عربية أخرى. لا تقبل ان تشارك المرأة في الصلاة مع الرجال في المسجد، ولا تقبل أن تشارك المرأة في الدفن مع الرجال.
يقولون لها إن فعل ذلك "غير مقبول". يقولون لها إن فعل ذلك "غير مسموح". يقولون لها إن فعل ذلك "مرفوض". ثم يشدد البعض فيقول إنه حرام.
لماذا؟
لم اتعب يوماً من طرح هذا السؤال. لماذا؟ كلما سمعت من يقول لي "هذا حرام"، "هذا عيب"، "هذا ممنوع"، كنت ارد بالسؤال"لماذا؟" وعادة ما يكون الجواب حيرة ممزوجة بالإستهجان: "لأننا نفعل ذلك دوما!"
لكن مثل هذا الجواب لا يُقنع.
فكرا قليلاً ثم تدبرا، وقولا لي، لم نمنعها من حقها في أن تعبر عن حبها وحزنها؟ أليست إنساناً؟
وأنا شاركت في جنازات عديدة حيث اعيش، وكنا نقف رجالاً ونساءا، معاً، نصلي على الميت ثم ندفنه. نرمي الزهور على كفن الصديق او الصديقة، نودعه بصمت دامع ونمضي. ولم ار في مسيرة جليلة كهذه ما يخدش "العادات" او "التقاليد".
والرجل الذي سندفنه هذه المرة كان أبي، أبي.
أبي الذي اتنفسه حباً.
الأيستحق الرجل الذي أدين له بحياتي أن أكسر من أجله جداراً من التقاليد؟
قلت لإخي الوحيد الأكبر أني أرغب في أن اشارك في دفن ابي. ولم يعترض. إحترم رغبتي، وقرر أن يدعمني في تنفيذها.
"هكذا يحدث التغيير. بالأخ وأخته. الرجل والمرأة. معاً، يقدران على الكثير". ابلغ ابناء اسرتنا بالقرار، فتقبلوه صامتين.
ثم خرجت الجنازة من بيتنا.
وفي الهوجة وجدت أخي يحمل جثمان ابي مع ابناء عمتي وخالتي. فانشغل به. ووراءه موكب من اصدقاء ابي. تبعتهم، وحدي.
ثم انقذتني من وحدتي قريبة لي. وجدتها تنظر لي مع النساء على باب بيتنا، ثم نفرت منهم إلي. مشيت معي رغم غرابة الموقف. ولذا كنت ممتنة أكثر لوجودها معي. شكراً لك ايتها العزيزة. شكراً لك.
وصلنا إلى المسجد. قالت لي قريبتي إن علينا أن ننتظر. لم أستمع. حاولت ان ادخل المسجد. فوجدت عددا من الرجال إنبثقوا أمامي، واحداً بعد الأخر، يحاولون بأدب ان يمنعوني من دخول المسجد. وكنت مدركة لحرجهم. لكن حبي لأبي، ولذا إصراري، كان أكبر.
ووجدت الكلمات تخرج من فمي لا أسيطر عليها "هو بيت الله، ليس بيتاً للرجال"..."لم تحرمونا من بيوت الله"..."الميت أبي، وأنا أحق بالصلاة عليه من كل من في المسجد الآن"... "هذا بيت الله، ليس بيتاً للرجال، فلم تحرمونا من بيوت الله".
كنت اتحدث، لا أعي، واتحرك إلى الأمام ببطء، أحاول ان اشق طريقي. إلى أن انقذني خالي. القاضي الحبيب. امسك بذراعي، وجذبني إلى داخل المسجد وهو يحدث راعي المسجد "ألا يوجد مكان لصلاة النساء في المسجد". فحار الأخير جواباً. فكان الفكاك.
ووجدت نفسي معه في المسجد.
قال لي برفق "صلي في الخلف". وتركني لينضم إلى الرجال.
ووجدت نفسي أصلي مع المصلين. أخي في المقدمة. وأنا في صف يبتعد عنهم بمسافة، في المسجد، وأصلي معهم على أبي.
وكنت إمرأة بين الرجال. فما العجيب في الموضوع؟
بكيت بصمت.
بكيت وفي داخلي رهبة من جلال اللحظة.
كم مرة تمنيت فيها أن اكون في مسجد يحترم آدميتي. لا يعتبرني عورة. بل إنسان. يصلى إلى الرحمن مع الرجل كإنسان.
بحثت دوماً عن هذا المسجد، ولم اجده إلى يومنا هذا. لكن لعل الوقت قد حان كي نبنيه نحن لإنفسنا.
-----
خرج الموكب إلى المقبرة. إقترح علي صديق أبي الجليل أن تأخذني سيارته إلى المقبرة، بعد أن ادرك أني ذاهبة هناك. فقبلت ورفيقتي شاكرة.
عندما وصلت هناك وجدتهم قد دخلوا المقبرة.
وجدت صديقاً كريماً لأبي يقول لي بلطف "هنا لا تشارك النساء في الدفن". رددت عليه وصوتي حاسم "هناك دائماً اول مرة لكل شيء". فابتعد.
ومن جديد وجدت رجالاً غرباء، ينبثقون أمامي، يحاولون منعي من الإقتراب من جثة أبي وموكبه. وأنا أمشي تجاههم، الأرض بحجارها تُبعثرني، تحاول شدي إلى الخلف، والرجال مصرون يُبطئون خطواتي، وعيناي على الموكب، أخشى مذعورة ان يدفنوه بدوني.
ثم أنتبهت إلى خالي القاضي يخرج من الموكب، يأخذني من جديد من ذراعي، لينفرط عقد الرجال.
قال لي وهو يمشي معي إلى الجنازة:"أخوك وقف بجثة أبيك وقال لي، ‘إذا لم تأتِ أختي وتشارك معنا في دفنه، فسأرجع بجثة أبي وامضي معها‘". ثم أكمل خالي وطيف إبتسامة يلوح على شفتيه "وأخوك مجنون. يفعلها". "ومادام الأمر كذلك، فيجب أن تشاركي".
آه يا أخي. عندما سمعت عبارة خالي، أدركت أن أبانا لم يمت. يحيا بك وفيك.
"هكذا يحدث التغيير. بالأخ وأخته. الرجل والمرأة. معاً، يقدران على الكثير".
وصلتُ إلى القبر المحفور. ورأيتك أخي، هناك تنتظرني. كنت أنت أيضاً مدهوشاً. مكلوماً. مصدوماً. كان كل شيء جديد عليك، كما علي.
طلبوا منك ان تنزل إلى القبر كي تحمل جثته وتُدخلها إلى مُستقرها. فنزلت.
ثم طلبتَ من قريبنا الآمين أن يدعوني إلى الإقتراب. ونظرتَ إلي مصرأ أن أشارك في حمل جثة أبي. ففعلتُ ممتنة. فخورة أني أختك.
أمسكتُ بجثة أبي مع أبناء عمتي وعمي وأنزلناها إليك.
ونظرتُ إلى وجه أبينا الذي تجسد لي من خلال قماش الكفن الأبيض. تهيأ لي أنه يبتسم لي ولكَ. فكدت أرد عليه بالإبتسام. لولا الحياء.
ثم رأيتك وانتَ تُدخِلُ أبي إلى مُستقره، مع قريبنا الآمين.
وكنتَ على عهدك، نفذتَ وصية أبي، ولم تُعفّر أنف أبي بالتراب كعادتنا في اليمن. تماماً كما أراد. "بتجلصني (تؤلمني)" قالها لي مرة عن هذه العادة.
وصلينا، عليكَ أبي.
وأنا كنت إمرأة بين الرجال.
فماالعجيب في هذا؟
------
صديقا عمِر أبي. أقبلا علي بعد ذلك.
أحدهما، ذلك الجليل القدير، صاحب القلب الطاهر كما كان يسميه أبي، قال لي "كان ذلك من أجل حقوق المرأة؟"
ردي كان عفوياً "بل حق الإنسان. إبنةٌ، وتريد أن تدفن أبيها."
كان ذلك من أجلك أنتَ أبي.
من أجلك أنتَ.
ماكان لك أن تدُفن دوني.
---
ولذا أعود فأكرر عليكما الكلمات، فتأملا فيها ثم تدبرا:
إبنة تريد أن تدفن أبيها.
أن تصلي على أبيها في المسجد، مع المصلين.
أن تمشي في جنازة أبيها، مع المودعين.
ثم تدفنه مع أخيها في قبره.
تودعه، مع أخيها، بالمحبة والدموع.
تودعه وتشكره.
أين الحرام في ذلك؟
ثم ما دخل الله في هذا الموضوع؟
لم لا نحترم حزنها؟
لم لا نحترم آدميتها؟
إبنة وتريد أن تصلي ثم تدفن أبيها.
بأي حق تحرموها من لحظة وداعها لإبيها؟
ثم بإسم مَنْ تحرمونا، نحن النساء، من هذا الحق؟

الثلاثاء، 5 أبريل 2011

لا صوت يعلو فوق صوت الثورة! حقاً؟

أكره أن اكون الصوت الناعق ضمن سرب يغني. ورغم جمال صوت أغنية السرب، وإيماني بهدفها، لابد من الإصرار على التوقف. نتمهل. لحظة. نتأمل. ندقق. نتفكر، ثم نخطط، كي يكون المستقبل لكَ ولكِ، ولنا جميعاً.
--
تقول لي، وهي الناشطة المعروفة: "كلما حاولت أن انبه إلى تجاوزات سافرة في العمل الميداني، ترتفع الأصوات: ’لا تشقي الصف. كل هذا سنجد له حلاً بعد ان يرحل‘".
ويقول لي، وهو القائد الشاب في الميدان:"كلما حاولت أن الفت الإنتباه إلى أن إلباس الأطفال قمصان عليها عبارة ’مشروع شهيد‘ لايعبر عن مشروع الحياة الذي نسعى إليه، ترتفع الأصوات مؤنبة، ثم يتهمني البعض بأني ’علماني، ليبرالي، متغرب‘".
وأنا عزيزي وعزيزتي، كما تعرفان، علمانية حتى النخاح وافتخر، لكن لإن ثقافة التطرف ظلت تضرب على نفس الوتيرة لأكثر من نصف قرن، تحول مصطلح هو في الواقع النقيض لحكم الكهنوت الديني إلى شتيمة.
الملفت في حديثهما إتفاقهما على أنهما يقفان وحدهما رغم أن الكثيرين والكثيرات ممن حولهما يؤيدون مواقفهما. لكن هؤلاء الكثيرين صامتون! هؤلاء الكثيرات صامتات!
الصمتُ يمتعضُ... همساً... في الأنفس!
والصمت، خاصة عندما يكون هامساً، يُغري الجبروت. فيبدأ في بسط جناحيه، حتى يستفرد بالساحة فإذا بالثورة تتحول عن مساراها، وتعود بنا إلى مربع الصفر من جديد. فهل هذا ما نريده؟
----
الناشطة المعروفة والقائد الشاب لم ينسيا للحظة الهدف الذي خرجت من اجله هذه الجموع إلى الشوارع. يطرحان السؤال دائماً: "لماذا خرج شبابانا وشاباتنا إلى الشوارع؟"
خرج الشباب والشابات بحثا عن مشروع حياة، عن مشروعِ مستقبلٍ يُعيدُ هذه الأوطان إلى اصحابها، لهم، لهن، وللجيل القادم من بعد.
وهما كما هو واضح مدركان أن مشروع الحياة هذا يجب أن يختلف عن ثورات الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وأن يتعلم من أخطاء الماضي.
قديماً قِيل لجيلِ أبي: "لا شيء يعلو فوق صوت الثورة".
والثورة كانت تَعدُ أبناءَها (لا بناتها) بالتنمية، بالتقدم، بالعدالة، والإشتراكية في صورها المتعددة.
قِيل لجيل أبي:"لا شيء يعلو فوق صوت المعركة".
والمعركة حينها كانت ضد دولة إسرائيل.
وِقيل لجيل أبي: "الوقت ليس مناسباً لترف الديمقراطية، وخلافات الأحزاب. الوقت وقت تنمية، الوقت وقت معركة".
وجيلُ أبي كان حالماً محباً للوطن هو الأخر. فصدق، وليته لم يصدق.
أبي مات قبل شهر وهو في إنتظار ان تأتي تلك التنمية. في إنتظار أن تُحسم تلك المعركة، وفي أنتظار أن يرى تلك العدالة والتقدم. وكان من زمان بعيد قد فقد إيمانه بالإشتراكية العلمية بعد أن رآها مطبقة في ألمانيا الشرقية.
مات الرجل محسورا، لأنه آمن بالوطن، ثم رآه منحوراً أمامه. فإنسحب من الحياة، لكنه غرس بذرتها في نفسي وأخي، ولم ييأس. بقي الحلمُ نابضاً في قلبينا من بعده.
-----
اليوم نقف من جديد أمام مفترق طريق. علينا أيضاً أن نختار.
هذه المرة لم تكن الثورات نتيجة إنقلاب عسكري.
هذه المرة خرجت الشعوب إلى الشوارع تُطالب بالتغيير.
تبحث عن أوطانها. تحلم بالحياة، وتغني للمستقبل.
بيد أن الحلم يبقى في السحاب غائماً إذا لم نُعد ونخطط لترجمته على أرض الواقع.
ولذا علينا أن نتوقف، لحظة. نتمهل. لحظة. ثم نتأمل. ندقق ونتفكر ثم نخطط.
تسألاني كيف؟
حسناً.
سيكون علينا أولاً أن ندرك أن هناك الكثير من القوى الساعية إلى إجهاض حركة التغيير الشابة قبل أن تخرج إلى الحياة. وهذه القوى كثير منها داخل الواطن، تلك التي كانت جزءا من النظام سابقاُ ثم تحولت بقدرة قادر إلى ’قوى ثورية‘، أو تلك الأصولية المتطرفة، التي وفرت دوماً غطاءاً شرعياً للحكم القائم، وقبضت الثمن، ثم ’أكتشفت فجأة‘ أنها ’تكره الفساد‘.
كلاهما لا يؤمنان بمفاهيم الديمقراطية او الشفافية، كلاهما على إستعداد لركوب الموجة إلى حين، وكلاهما ينتظران الفرصة كي يُعيدا عقارب الساعة إلى الوراء.
وبعض هذه القوى إقليمي، وتحديداً إيران والسعودية. لأنهما يمثلان مشروعَ دولة دينية لا تؤمن بالمواطنة المتساوية، أو بمفاهيم الديمقراطية المدنية. ولأن حركة التغيير القائمة تهز اركان نظامهما، فإنه من البديهي أن يقفا في خندق واحد يريدان طمر نداء الحياة، كي لا يصل إلى شعبيهما العريقين.
هذه إذن أولاً.
هناك من يتربص بهذه القوة الخلاقة الدافعة للتغيير. وعلينا أن لا نستهين بهذا التربص.
-----
الثانية تدعونا إلى أن نتعلم من أخطاء الماضي. في الماضي إستسهلنا الأمور، وتسرعنا، فخرج مشروع الوطن مشوهاً.
وكي نستعيد أوطاننا، علينا أن لا نكرر اخطاء الماضي، بل نبنيها على إسس صحيحة: مدنية، ديمقراطية، وتوفر مبدأ المساواة في المواطنة.
الأساس المدني لا يعني أكثر من أن نفصل الدين عن الدولة. والفصل بين الأثنين لا يعني الدعوة إلى تدمير الدين. بل تعني فقط إعادة الدين إلى حيزه الطبيعي، الشخصي. تؤمن أو لا تؤمني شأنكما الخاص.
وأهمية هذا المبدأ أنها تجعل كل المواطنين والمواطنات في الدولة يقفون على قدم المساواة أمام القانون.
الهوية في الوطن هي المواطنة.
مصري، مصرية.
يمني، يمنية.
تونسي، تونسية.
ليبي، ليبية.
أما القناعات الدينية فهي لله عز وجل.
والدولة يفترض فيها أن تكون وطناً لجميع مواطنيها ومواطناتها، بغض النظر عن الدين، الجنس، اللغة، اللون، أو العرق.
ولكي تكون قادرة على فعل ذلك عليها أن تكون مدنية.
دولة مدنية.
--
الأساس الديمقراطي في المقابل يعني بناء دولة يتم فيها تداول السلطة بشكل سلمي، تشارك فيها كل القوى السياسية، وتحترم مبدأ حرية الرأي والمشاركة السياسية لمواطنيها، وتُوفر مبدأ المحاسبة لمسؤوليها. ولكي يحدث هذا من الضروري التأكيد على حرية العمل الحزبي، لا أن نبدأ كما نرى اليوم في اليمن في تعليق شعارات ’لاحزبية ولا أحزاب‘. كيف نطالب بالديمقراطية وندعو في الوقت نفسه إلى القضاء على الحزبية؟
لكي يحدث هذا علينا بناء دولة مؤسسات تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات.
ولكي يحدث هذا علينا أن نغير دساتيرنا بصورة تضمن توفير الأساس المدني الديمقراطي للدولة، وتحمي هذا الأساس من خلال مواد دستورية لا يمكن تغييرها بأية أغلبية.
المانيا لديها مواد دستورية ’دائمة‘ لا يمكن تغييرها، تتعلق بالأساس المدني الديمقراطي للدولة وبحقوق المواطنة والإنسان. أدُخلت هذه المواد على قانونها الأساسي بعد الحرب العالمية الثانية، كي لا تتكرر فضائع المحرقة النازية.
مثل هذه المواد من الضروري إدخالها في دساتيرنا. لأننا ببساطة في حاجة إليها مع وجود أحزاب دينية لا تؤمن بالمواطنة المتساوية أو بحقوق الإنسان كما تعُرفها المواثيق الدولية.
دولة مدنية ديمقراطية.
---
الأساس الثالث هو المواطنة المتساوية. كل من يولد على أرض الوطن ويحمل جنسيتها هو مواطن، له نفس الحقوق والواجبات كغيره من المواطنين والمواطنات. نفس الحقوق والواجبات. بدون تمييز.
لا يمكننا أن نطالب بدولة مدنية ديمقراطية عادلة ثم نقول المسيحيين أهل ذمة. أو نقول اليهودي لا حقوق له. أو نقول أن البهائية ليست ديناً. أو نقول أن الكردي أو الأمازيغي ليسا عرباً ولذا مواطنتهما منقوصة.
كلهم، كلهن مواطنون ومواطنات. يقفون وتقفن، رجالا ونساءا، متساويين ومتساويات أمام القانون.
وهي ليست مّنة. إنتبها أيها الأعزاء. ليست مّنة مننا أن نقول "سنعامل المسيحيين واليهود كمواطنين". هذا حق. حق كل إنسان يحمل جنسية الوطن. أن يكون مواطنا، أن تكون مواطنة.
متساوون ومتساويات أمام القانون.
كما لا يمكن أن نتحدث عن تغيير مدني ديمقراطي عادل فعلاً دون أن نتحدث عن المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات.
إذا لم تكن موجات التغيير القائمة في المنطقة معنية بحقوق المرأة وإحترامها، فإنها ببساطة لن تكون إلا تكراراً لثورات الماضي الحزينة، وسنعود من جديد إلى مربع الصفر.
ورجوتكما أن لا ترفعا أعينكما إلى السماء، تتأففان، وتقولان "هاهي تتحدث من جديد عن حقوق المرأة. كأن هذا وقت هذا الكلام.".
في الواقع، الآن تحديداً هو وقت هذا الحديث. ليس غداً. ولا فيما بعد، ولا بعد أن يرحل. الآن. كي لا تتمادي الأحزاب الدينية في التكشير عن أنيابها، وكي تكون الثورة ثورتها هي الأخرى، ثورة المرأة وحقها. لأنها كما كانت وتظل شريكة في المظاهرات، فأنها شريكة في المواطنة. وكما وقفت مع الرجل يواجهان معاً الرصاص والدموع المسيلة للغاز، تقف معه أيضاً متساوية في الحقوق والواجبات. ليس هبة. ليس تصدقاً. بل حقها. لأن حقها كحقه.
إنسان.
كلاهما إنسان.
---
كل هذا يجب أن نطرحه اليوم. اليوم قبل غداً.
لا أن نصمت، ونبتلع احلامنا، كي يأتي من يتربص بها، ينهشها فتصبح هباءاً.
لا تدعا الصمت يمتعض في نفسيكما همساً.
بل إرفعا صوتيكما. عالياً. يصدح. تواقاً إلى الحياة.
ودافعا عن حلم الإنسان في وطنه: وطن آمن عادل لكل مواطنيه ومواطناته. وعندما يأتي من يقول لكما بأنه لا صوت يعلو فوق صوت الثورة، ردا عليه ببساطة، "بلي: صوت الإنسان|.
لأنه لو كان الإنسان غائباً عن روح هذه الثورة، فلا داعٍ لها.

إلهام مانع

الجمعة، 25 مارس 2011

اليمن.. أمام مُـفترق الطريق من جديد!

لا مفر من التاريخ، نعود إليه كي نستقرأ وقائع الحاضر! قبل نحو أربعين عاماً، وقفت اليمن على مفترق طريق، وتحديداً عام 1962 في اليمن الشمالي. حينها، حدث إنقلاب عسكري أطاح بنظام إمامي، كان قد أبقى اليمن رهينة في غياهِـب القرون الوسطى وأقام بدلاً منه نظاماً جمهورياً.

ولأن اليمن ظلت، مثلما هو الحال اليوم، مسرحاً لتلاعب القوى الإقليمية ومناوراتها، فقد تحوّلت إلى ساحة لحرب بديلة بين المملكة العربية السعودية ومصر الناصرية.

الرياض، المتحالفة مع الولايات المتحدة، كانت تخشى يومها من إنتشار رياح الفِـكر الثوري الناصري إلى أراضيها، فدعمت القوى المَـلكية بالمال والسلاح. أما القاهرة، التي دأبت على تصدير فكرها القومي العربي، متحالِـفة في ذلك مع الإتحاد السوفييتي، فقد سارعت إلى تأييد الإنقلاب، الذي تمّ في الواقع بمباركتها.

وكِـلاهما، السعودية ومصر، كانا جوهر وجهين لعُـملة واحدة. صحيح أن الأولى كانت تدعم فكرة أمة إسلامية، والثانية تروج لفكرة أمة عربية، لكن طبيعة النظام فيهما كانت متشابهة ومستبدة، لا تقوم على أسس ديمقراطية أو على مفاهيم المواطنة المتساوية. ولذا، فإن الدعم الذي قدّماه كان يشبه نظامهما، لا يؤمن بالتعدّدية الحزبية ولا بمفاهيم الديمقراطية.

واليمن، التي استيقظت للتَّـو من سُـبات طويل، كان عليها أن تبحث عن طريقها، ولم تجده. القوى الجمهورية كانت منقسمة على نفسها، لكنها اتفقت - على اختلاف مشاربها - حينها على الهدف. والهدف يومذاك، كان الإطاحة بالنظام الإمامي: "نقضي عليه ثم نرى ما سيكون".

صمدت تلك القوى أمام حصار شرِس للقوى المَـلكية عام 1967 ثم تمكّـنت من حسْـم المعركة لصالحها (رغم توقّـف الدعم المصري)، التي إنكسر دورها بعد هزيمة 1967 أمام إسرائيل. ولأن الإنتصار أدّى إلى غياب الهدف المشترك، برز الإنقسام الداخلي بين صفوف القوى الجمهورية واضحاً.

إنقسمت القوى الجمهورية إلى تيارين رئيسين:

التيار الأول، تمثل في مشايخ القبائل الزيدية الهمدانية والقوى الإسلامية وقيادات عسكرية، إضافة إلى قوى إصلاحية تقِـف متشككة من "المشروع الناصري القومي" ومضمونه الإشتراكي. دعا هذا التيار إلى تسوية مع القوى المَـلكية بمباركة الرياض وتأسيس جمهورية عربية يمنية "إسلامية عسكرية قبلية".

التيار الثاني تمثل في القوى المؤمنة باليسار الإشتراكي أو القومية العربية، لكن المُـلفت هو أنه عندما ينزع المرء الغطاء الأيديولوجي عن هذا التيار، يجده ممثلا في الواقع للقوى الإجتماعية والمناطق اليمنية التي هُـمِّـشت على مَـر التاريخ الحديث للبلاد، خاصة أتباع سكان المناطق الوسطى اليمنية، التي يدين أغلبها بالمذهب السُـنّي الشافعي. وقد أراد هذا التيار بناءَ دولة حديثة "قومية"، لا طائفية فيها ولا مناطقية. ورغم غياب مفاهيم الديمقراطية عن هذه الرؤية للدولة، إلا أن المؤكد أن مركزية الدولة وقوة مؤسساتها في مواجهة القبائل، كانت محورية فيها.

تحول الإنقسام إلى مواجهة عسكرية حاسمة في شهر مارس 1968، آلت فيها الغلبة إلى التيار الأول. ومع إنتصاره، تبلورت ملامح الجمهورية العربية اليمنية الجديدة - دولة ضعيفة، مؤسساتها هشة - حافظت على الهيمنة السياسية التاريخية للقبائل الزيدية الهمدانية، وتحوّلت مع مرور الوقت إلى إستحواذ لفئة قليلة من قبيلة سنحان الحاشدية على مقاليد السلطة، في ظل تهميش لفئات وشرائح المجتمع اليمني الأخرى.

ما أشبه اليوم بالبارحة!

كان من الضروري إستحضار هذا المفصل من التاريخ اليمني الحديث، لأن اليمن الموحد، يقف اليوم كما الأمس، أمام مفترق طريق جديد وخياره كما البارحة يتعلق جوهراً بطبيعة الدولة التي ستتشكل فيما بعد.

نقطة الإنطلاق تختلف بالطبع. فاليمن بعد أكثر من أربعين عاماً تحوّل إلى دولة فاشلة وضعيفة المؤسسات، نسبة البطالة فيه تصل إلى أكثر من 35% والفساد فيه وبائي وموارده النفطية والمائية شحيحة، ويواجه حركة شعبية تطالب بإنفصال الجنوب من الشمال وتمرد مسلح في الشمال، ذو طابع مذهبي قبلي.

والقوة المحركة للتغيير، اختلفت هذه المرة. شباب وشابات إستنشقوا رياح التغيير والحرية القادمة من تونس ومصر، فقرّروا أن يصنعوا التاريخ في وطنهم. إنتفاضة الشباب جاءت مفاجئة لكل القوى السياسية التقليدية اليمنية. مفاجئة بسبب قوتها ثم بسبب تزايد الدعم الشعبي لها، وهو ما سحب البِـساط من تحت أقدام تلك القوى العتيقة.

المعارضة الممثلة في أحزاب اللقاء المشترك، تذبذت مواقفها في البداية ثم اضطرت في النهاية أن تعلن دعمها لمطالب الشباب. والحراك الجنوبي، تفاجأ هو الآخر بالْـتفاف الكثير من الشباب والشابات من المحافظات الجنوبية حول الإنتفاضة، فاضطر إلى إعلان دعمه هو الآخر لها، وإن كانت بعض رموزه تظل متحفظة ومصرّة على هدف الانفصال. أما الحركة الحوثية، فقد سارعت إلى إعلان دعمها ومشاركتها في الإنتفاضة.

لكن، إذا كانت الإنتفاضة مفاجئة، فإن الشيء المؤكد أن هدفها المُـعلن، الدّاعي إلى إسقاط نظام علي عبدالله صالح، كان قادِرا على توحيد كل هذه الأطياف المتنافِـرة، تماماً كما في الستينات من القرن الماضي: "يرحل ثم نرى ما يحدث بعد ذلك"، وتحديداً، هذه العبارة "ما يحدث بعد ذلك"، تظل هي الشاغل الحقيقي للمتابعين للشأن اليمني.

فالحادث هو أن هناك قِـوى عديدة تسعى إلى توجيه مسار الأحداث الجارية والتأثير فيها بصورة تحدِّد مصير وكِيان التغيير القادم في اليمن. وكما كان الصراع في عام 1967، فإن الصراع الذي بدأ يتبلور اليوم في اليمن، يتعلق تحديداً بطبيعة الدولة اليمنية الجديدة.

الخيارات المستقبلية

أيام الرئيس علي عبدالله صالح أصبحت معدودة. ولعل أكثر من يُـدرك ذلك، هو الرئيس صالح نفسه، خاصة وأن الطريق أصبح مسدودا. فأية مبادرة يتقدّم بها، تجابه برفض قاطِـع من شبابٍ لا يثق بكلمة الرئيس، خاصة وأن الأخير معروف بوعوده التي لا يفي بها.

لكن إنسداد الأفُـق، لا يرتبط تحديداً بشبابٍ يؤمن بتغيير سِـلمي مدني. الخوْف في الواقع يمتزِج بدوافع مَـن بدؤوا يقفزون من القارب بعد أن كانوا جزءا من مكنونه، بدءاً بأبناء شيخ مشايخ حاشد الأحمر، مروراً بالشيخ السلفي عبد المجيد الزنداني وانتهاءً بالجنرال علي محسن الأحمر، الأخ غير الشقيق للرئيس صالح.

دعم هؤلاء "السريع" لانتفاضة الشباب، لا يأتي مفاجئاً لمَـن يتابع الشأن اليمني، لإنه يأتي متّـسقاً مع التقارير التي أشارت إلى وجود صراع شرس حول السلطة بين أركان النخبة الحاكمة، كان مستعرا خلف الكواليس. إنتفاضة الشباب لم تفعل أكثر من أن أخرجتها إلى العلن. وهي وإن اخرجتها إلى العلن، فإنها أظهرت في الوقت ذاته التبايُـن في الرؤى بين التيارات التي تحالفت من أجل إسقاط الرئيس، وتصوّراتها المستقبلية لما يجب أن تكون عليه اليمن.

التيار الأول، ممثلاً في الأحمرين والزنداني، عسكري قبلي سلفي، يدعو إلى إسقاط الرئيس، لكنه في الوقت ذاته لا يدعو بالضرورة إلى تغيير النظام نفسه، بما يعني ذلك إستمرار هيمنة شرائح قبلية عسكرية دينية على الدولة وغياب دور المؤسسات فيها. أما التيار الثاني ممثلاً في الشباب أنفسهم، الذين أطلقوا شرارة التغيير، والكتلة المدنية التي إنضمت إليهم، تدعو كما أشارت في مؤتمرها الصحفي الذي انعقد يوم 24 مارس في صنعاء، إلى قيام "دولة مدنية حديثة ديمقراطية، قائمة على مبادئ العدالة والمواطنة المتساوية، تضمن التمثيل الوطني لكافة اليمنيين واليمنيات، مع إحترام تعدديتهم الدينية والمذهبية والثقافية والإجتماعية والسياسية، والتأكيد على مبدإ الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء وسيادة القانون". أما التيار الثالث، فيرتبط ببعض القوى المعارضة التي إنضمت إلى الإنتفاضة، بهدف إسقاط علي عبدالله صالح، وإن كانت تعوِّل في الواقع على شق طريقها المستقل بعد حدوث ذلك.

حالياً يراقب الكثيرمن اليمنيين الوضع، متسائلين عمّا إذا كانت البلاد ستدخل في حرب أهلية جديدة. لكن الحرب التي يتحدّثون عنها الآن، ليست بين المحافظات الشمالية والجنوبية أو مع الحركة الحوثية. الخوف من حرب تندلِـع بين أركان السلطة، يسعى من خلالها الأخ غير الشقيق للرئيس متحالفاً مع التيار السلفي، إلى حسم المعركة لصالحه.

المملكة العربية السعودية في المقابل، تسعى إلى "تسوية" تُـحافظ على طبيعة النظام القائم في اليمن، وبالتأكيد لن تشجع تغييراً ديمقراطياً مدنياً فِـعلياً يوقظ مواطنيها من سُـباتهم. أما الولايات المتحدة، فإن هاجسها هو "تأمين الإنتقال السلمي للسلطة"، خوفاً من دخول البلاد إلى حالة عدم إستقرار تحوِّلها إلى بؤرة جديدة لتنظيم القاعدة، وهو ما يعني أنها ستقبل بأي "تسوية" تضمَـن "إستقرار" الأوضاع في اليمن.

أما شباب وشابات اليمن ومن يدعمهم من الكتلة المدنية، فيُـصرّون على إمكانية إحداث تغيير سِـلمي في اليمن. يحلمون بوطن ديمقراطي مدني، وطن يمنحهم مستقبلاً.

يُعلمنا التاريخ أن الثورات عادة ما تأكل أبناءها. وسيكون من السَّـذاجة أن يتوقع المرء مساراً مختلفاً في اليمن، خاصة مع طبيعة تكوينها القبلي المناطقي المذهبي المتنافر. بيد أن التاريخ نفسه يقول لنا إن المعجزات ممكنة، لكنها لا تتحقق بالتمني، بل بالتخطيط المنسَّـق لها. وطريق اليمن إلى دولة مدنية ذات مؤسسات، سيكون شاقاً وطويلاً، لكنه يبدو اليوم ممكنا بهذا الجيل الشاب.

لذلك، فإن السؤال المطروح اليوم: هل ستُـتاح لهم فرصة التجربة والإختبار في ظل الصراع الشَّـرس بين أركان السلطة العسكرية، القبلية والدِّينية؟

د. إلهام مانع - برن
- swissinfo.ch

الاثنين، 21 فبراير 2011

صباح الخير يايمن، صباح الخير ياوطن!

إتصل بي أخي. سألني: "ماذا كتبت عن اليمن؟" فحرت جواباً.
لم أكتب عن اليمن حتى الآن. لا لعدم رغبة، بل لإن الكلمات تأبى أن تطيعني. ألجأ إلى الكمبيوتر، اضع اصابعي على لوحة المفاتيح، ثم أنتظر. أصابعي تنظر إلي من خلف، تنتظر هي الأخرى، لكني أتجمد. فتكف هي عن التوقع، ثم تهمد. فأعود لأتابع الأخبار، أقرأ وأسمع وأشاهد.
رأسي حبلى بالأفكار، لكنها ترفض أن تلدها في كلمات. كأنها تغيضني.
مخاض. مخاض. مخاض.
و لست وحدي في هذا المخاض.
اليمن أيضا تعيش واقعاً قد يتمخض عن جديد.
شيء ما يتبدل، شيء ما يتغير، شيء ما ينبثق من ظلام دامس. لكني أخشى أن اصدق. أخاف أن أصدق كي لا تطعنني الخيبة من جديد. وانا تعبت من الخيبات. وتعبت اكثر من اليأس.
هل تريدون الحق؟ كنت قد فقدت الأمل. منذ زمن. فقدت الأمل في اليمن. قراري بالهجرة من اليمن كان مؤشراً على فقداني للأمل.
بحثت دوماً عن الوطن في اليمن، لكن وطني كان يخنقني بمرضه. لأن وطني مريض، مريض.
ولذا قلت لنفسي يوماً "كفى"، "كفى، مافائدة أن تحرثي في أرض بور. ستنهال عليك السكاكين، وسيكون عليك أن تقرري إما أن تكوني جزءا من النظام أو ضده". فقررت أن أغادر ولا أعود. سافرت وأنا أدري أني لن اعود: "وداعاً ياوطن، وداعاً بلا رجعة."
ولم أشعر يوماً أن قراري كان خاطئا. لم أشعر بالندم. لأني تمكنت من التنفس كما أريد، و أن أحيا بتعمد، أكون، ولا أساوم. أضع رأسي على الوسادة وأنام ملء أجفاني، مطمئنة الضمير. وفي الواقع إشتريت نفسي وراحة بالي بالرحيل. لأني لو كنت بقيت كنت سأكون جزءا من النظام، ولكي تكون جزءا من النظام عليك أن تكون فاسداً. أو على الأقل أن تكون فاسداً "إلى حدٍ ما". وإلى "حدٍ ما" هذه كانت تقتلني. لا أحتملها. او كنت سأنقلب ضد النظام، وحينها كنت سأحيا والجمر وسادي. ولحمي كان حينها غضاً، لا يبحث عن العراك.
هذه الأيام بدأت أكتشف أن هناك طريقاً ثالثاً يمكن للإنسان أن يختاره. ليس أقل صعوبة من الخيار الثاني.
طريق إختاره شبابنا، طريق إختارته شاباتنا.
طريق "ان تبقى وتبحث عن وطنك في وطنك".
طريق "أن تصر على إسترداد وطنك ممن إستلبه وحوله إلى إرث يستبد به".
وطريق "أن لا تقبل بأنصاف الحلول".
"سنكون" قالها لي أحد هؤلاء الشباب.
"سنكون".
ولم افرح يوماً بكلمة مثل هذه الكلمة التي خرجت من رحم الأمل. فرح أغرق عيني بالدموع، لأنها لخصت برونق بديع ما يريده شباب وشابات اليمن.
شبابك ياوطن كف عن اليأس. شاباتك قررن أن يحلمن. يريدون وطناً يكون لهن وطناً. يريدون أن يكونوا، أن يكن.
فأخجلونا نحن من بدأ الشيب يتسلل إلى قلوبنا. اخجلونا نحن من ركنا إلى التحسر. أخجلونا نحن من وجد الأمل مذبوحاً في صدره.
-------
اليمن ليست تونس ولا مصر.
الكثيرون يرددون هذه العبارة، وأنا لن أجادل فيها. فهي موضوعياً صحيحة.
اليمن كدولة لا زالت في حالة "تجربة"، وهي إلى يومنا هذا "لم تتبلور بعد". ليس لديها تاريخ في الحكم المركزي، ومنقسمة مناطقياً وطائفيا. وتحكمها اقلية قبلية عشائرية.
ولذلك فإن المطالبة بإسقاط النظام قد تتمخض عن عدة سيناريوهات محتملة. أولها إنقسام اليمن، ثانيها حرب أهلية، وثالثها "أو".
إنقسام اليمن وارد. لأنه إذا كان مطلب إسقاط النظام قادر أن يوحد القوى المعارضة على المدى القصير، فإن اهداف هذه القوى من إسقاط النظام قد تختلف. وبعض هذه القوى قد لا يرضى بأقل من الإنفصال.
والحرب الأهلية واردة هي الأخرى، لإن اليمن مدجج بالسلاح حتى العنق، والدولة طابعها قبلي، وإلإنقسام القائم بين صفوف الأقلية الحاكمة كلها عوامل يسهل أن تشعل فتيل أزمة سرعان ما تتفجر إلى حرب أهلية.
السيناريو الثالث هو "أو".
و"أو" هذه يؤمن بها شبابنا وشاباتنا.
"أو ننسى إنقسامنا، ونقرر أن نبني وطناً موحداً، يحمى أبناءه وبناته، يكون لهم ولهن وطناً. ونؤسس لدولة، دولة مدنية ديمقراطية عادلة، تخلو من الفساد، تقوم على مفاهيم المواطنة وتحترم حقوق الإنسان. دولة مؤسسات يقف فيها الجميع متساويين أمام القانون."
"أو" هذه هي سيناريو "الحلم".
شبابنا يحلم. شاباتنا يحلمن.
يؤمنون ويؤمنَّ بهذا الحلم.
ويريدون أن يبعثوه حياً في الوطن.
وأن تحلم يعني أن تصمم على الحياة.
غيري كثيرون سيسخرون من سيناريو الحلم هذه.
من "أو".
ولعلهم على حق!
لكني تعبت من اليأس كما قلت لكم. وأريد أنا ألأخرى أن أحلم. أحلم بوطني من جديد.
ولذا سأضع مخاوفي جانباً، واسكت عقلي قليلاً، وأقف مع شباب وشابات اليمن، احلم مع المستقبل، ولن أقول أكثر من جملتين: "صباح الخير يايمن، صباح الخير ياوطن".
إلهام مانع

الجمعة، 11 فبراير 2011

مصر على مفترق الطريق!

"الثورات تُسرق! يبدأ بها الحالمون، ثم ينقض عليها المنتهزون، ثم قد تتحول إلى فاشية، فيأتي يوماً نتحسر فيه على أيامنا هذه!"
قالها لي صديقي المصري العزيز. صديقي وهو شقيقي، ورغم ذلك نختلف أحيانا في المواقف والأراء.
إستمعت إليه بتمعن. لا لشيء إلا لإنه في كثير من المواقف اظهر بُعداً في النظر، وعادة كنت اجد ان ما قاله فيه كثير من الصواب. ما قاله في كثير من الأحيان تحقق.
إستمعت إليه لذلك وأنا أختلف معه. وفي الواقع لم اختلف معه في حياتي كما في تلك اللحظة. لكن ما قاله حرك نبضاً في داخلي.
كم منا إلتفت إلى أعماله في الأيام الماضية؟ عن نفسي، وجدت نفسي روحاً وفكراً في مصر. قلبي معها. وكما قلت لزوجي لم أشعر بالجزء المصري في قوياً كما في هذه الأيام. ادمدم اغنية ام كلثوم "مصر التي في خاطري"، ودموعي تنفر من عيني. ومرت علي لحظات تمنيت فيها لو كنت في ميدان التحرير مع هؤلاء الشباب والشابات.
من يتابع موقعي على الفايس بوك ورسائل التويتر التي اكتبها يدرك أني اتخذت موقفاً منذ البداية بدعم ثورة شباب وشابات مصر. لم أتردد لحظة. بل صدقت لا وزلت اصدق أن دافعهم هو محبة مصر ورغبتهم في التغيير. يريدون وطناً يستحق أن يحمل إسم مصر. يحترمهم وحقوقهم. مصر، اعرق دولة في التاريخ، وطن لهم ولهن. وطن كل أفراد الشعب، مسلمين مسيحيين يهوديين بهائيين ملحدين، رجال ونساء. وطنهم جميعاً. لا وطن قلة نفعية فاسدة.
وزاد إقتناعي وأنا أرى بعض من قبس النور يتوهج ضمن الأحداث.
صديقة لي عزيزة شاركت في تظاهرات التحرير المليونية في الثلاثين من يناير الماضي رسمت هذه الصورة لي: "كنا نمثل كل اطياف مصر، غني و فقير، رجل و إمرأة، مسلم و مسيحي و غير ذلك، البواب وخريج الجامعة الأمريكية، وعندما غنينا النشيد الوطني- بلادي بلادي لك حبي وفؤادي - أقشعر بدني، وبكيت، ولم أكن وحدي".
ثم صورة قداس الأحد نظمه مصريون مسيحيون في ميدان التحرير، والمصريون الأقباط يحمون ظهور المصريين المسلمين وهم يصلون، ثم نساء ورجال يصلون معاً. لحظة من التاريخ جمعت الإنسان المصري بتعدديته ووحدته على هدف واحد. يريدون تغيير النظام.
ولذلك إنبعث الأمل أن يخرج من رحم هذه الثورة تغيير يؤكد على ديمقراطية الدولة، مدنيتها، وإحترامها لحقوق المواطنة لكل أفراد شعبها.
أليس هذا ما نريده من أوطاننا؟ أليس هذا ما نكتب وندافع عنه؟
لكن صديقي يتابع ما يحدث بقلق. بتوتر. نعم يتابع ما يحدث وهو وجل.
ورجوتكَِ أن لا تفهماه خطاءاً. لأن صديقي وهو في مصر هو روح مصر. هل تسمعاني، هو روح مصر. يحبها كما لو كانت هواءه الذي يتنفس. هي دمه الذي يجري في عروقه. مصري معجون بطين مصر.
ورغم ذلك كان متحفظاً.
قال لي: "تمر علي لحظات حالمة، أهمس فيها لنفسي، ياريت، ياريت يخرج من ده كله دولة ديمقراطية، تحاسب الفاسدين، وشرطة تدافع عن الناس... وتلاقيني بأحلم معاهم. ثم بعدها بثانية أتشاءم. التغيير كلنا موافقين عليه. بس تغيير من ماذا وإلى ماذا؟ وإزاي؟ وفين الرؤية لهذا التغيير؟".
صديقي يتساءل كيف يمكن أن يحدث تغيير في غياب قيادة فعلية لهذه الثورة. قيادة تضع مصلحة مصر ديمقراطيتها ثم مدنيتها والحريات المدنية على رأس أولوياتها، وتفاوض السلطة عليها.
وإذا كنت أنا ارى الومضات من القبس فيما يحدث، يفزع هو من بعض المواقف التي لا تعبر عن بعد رؤية ولا مقدرة على إدارة دولة:
شاب يعتبر ان خراب السياحة المصري "ليس مهماً" لأنها "لا تفيد سوى فئة قليلة".
"المصدر الثاني لدخل مصر"، يقول صديقي، "ليس مهما؟"
أخر يعتبر أن إقفال قناة السويس ممكن "ماهي الناقلات الأمريكية هي التي بتمر فيها". قناة السويس الشريان الحي للنقل البحري!
"التغيير كلنا موافقين عليه" يصر صديقي. "بس كل ما يغذونا به هو شعارات بدون ضمانات. وإذا كانت الضمانة من الناس. فالناس اللي هايجة هي اللي بتخوفني".
"الناس اللي هايجية هي اللي بتخوفني".
"لإن الهياج لا يمكن أن ينتج عنه دستور يكون مدني ديمقراطي". يقولها وصوته يرتعش.
هل بدأتما تتشائمان كما أنا من حديث صديقي؟
أنا أغص بالفعل من حديثه. لكني أجد ان ما يقوله فيه منطق. لأن اصعب الأشياء هو أن تدُخل قدراً من العقلانية والمنطق في مسار الأحداث عندما تحدث الثورات.
وثورة مصر كانت ضرورية. هذا لا شك فيه.
لأن الأوضاع كان لا يمكن أن تستمر كما كانت عليه. جمود سياسي تشعر به كما لو كان النظام قد تحنط في تابوت، يكذب الكذبة ويصدقها، ثم يستغرب أن أبناءه وبناته لا يصدقون. وتفاوت في توزيع الثروات ثم فساد وبطش بالحريات ورغبة في فرعنة النظام وتوريث السلطة. كل هذا كان يجب أن يتوقف. وقد تمكنت الثورة من إيقاف توريث السلطة فعلاً. لكن هل ستتمكن من تغيير النظام وبصورة تتوافق مع تطلعات من أطلقوا ثورة الفايس بوك؟
صديقي يقول لي "إن مأساة الشعارات الجميلة أنها لا تؤكل عيش". وأنا أرد عليه "إن الإنسان إذا لم يحلم بالتغيير سيختنق ثم يموت".
وكلانا متفقان على أن الهدف هو مصر، أن تكون وطنا لأبناءها وبناتها. ثم نبراساً للتنوير من جديد.
ولأننا متفقان على الهدف إتفقنا أيضاً على العبارة التالية:"كي يحدث التغيير نحتاج إلى العقلاء من شعب مصر، كي تصبح الثورة فجر مصر الجديد".
إلهام مانع (وصديقها)

الجمعة، 28 يناير 2011

لاتدعوهم يسرقون ثورتكم!

أردت أن أغني.
أي والله. ولو كنت اعرف كيف يكون العزف على الناي والعود، لعزفت لحناً للخلود.
جاءني الخبر على هاتفي النقال: بن علي يغادر تونس.
خبر إمتزج بضوء الفجر. قال الشعب كلمته فاحنى بإرادته وجه الطغيان.
فتلاحقت الإنغام ترقص أمامي، وتغني.
يالله ما أجمل الإنسان عندما يدافع عن حقه في الحياة، والحرية، والكرامة.
كم مرة جاءني السؤال من طالباتي وطلابي في مادة "الدمقرطة والمجتمع المدني في الدول العربية" التي أدرّسها في جامعة زيوريخ: لما لا يثورون؟ كم مرة جاءني هذا السؤال. "لم لا يعبرون عن غضبهم؟" "لم لا يثورون دفاعاً عن حقوقهم؟"
وكنت ارد بالصمت.
أتركهم يبحثون عن الأجابة من معطيات الواقع في عدد من الدول العربية، ولا أفقد أملي في الإنسان. الإنسان في الوطن. ذلك الذي يحلم بحياة أفضل، بدولة تحترم كرامته ، حريته، وحقوقه الإنسانية ، ثم تعمل من أجل مستقبله، لا ينخرها الفساد، ثم لا يتمكن منها جبروت الإستبداد.
رغم ذلك لم تكن فرحتي ساذجة!
ضياء الفرحة وهي تغمرني لم تعم عيني.
ولذا أتابع ما يجري في تونس ويدي على قلبي.
أتساءل: هل تصبح تونس نموذجاً تحتذي به دول العالم العربي في تأسيس نظام ديمقراطي مدني يحترم حقوق الإنسان وحرياته، أم أنها ستتوه وهي فرحه، فتتلقفها قوى الإسلام السياسي، لتمسخ ثورتها فتحرك بوصلتها إلى الماضي وتحيلها إلى نظام كهنوتي جديد؟
----
تونس كانت دوماً تقف على رأس القائمة. قائمة الدول التي سيخرج شعبها إلى الشارع مطالباً بحقوقه.
تونس.
لأنها كانت النموذج بين الدول العربية. تونس.
دولة عدد سكانها قليل، شعبها متجانس، حدودها واضحة، تحوز على شريحة واسعة من الطبقة الوسطي، شعبها متعلم، وتاريخها يشهد بتفردها.
أول من اصدر قانوناً أساسياً يتضمن معنى للحريات ويمنع الرق والعبودية كان الباي أحمد العاشر (1837-1855). فعل ذلك في القرن التاسع عشر. وكان هو ثم خير الدين من بعده الذي عمل كرئيس للوزراء في الفترة بين 1873-1877 من أدخلا إصلاحات واسعة في النظام التعليمي التونسي، بدأت المدارس على أثرها في تعليم العلوم العصرية واللغات، واسست لمركزية الدولة وقوة مؤسساتها.
تونس.
والأهم أنها الدولة التي تمكنت منذ حصولها على الإستقلال من شق طريقها العقلاني بصورة تختلف عن غيرها من الدول العربية.
هي الدولة العربية الوحيدة التي عمدت إلى فصل الدين عن الدولة، واصدرت قانوناً للأسرة أعاد ميزان العدل للعلاقة بين الرجل والمرأة. كل هذا حدث بعد وصول الرئيس بورقيبة إلى السلطة، الذي كان يحوز حينها على شعبية واسعة. الرجل الذي ترك السلطة دون أن ينهب ثروات وطنه، وإن أصابه للأسف في أواخر حياته الفيروس العربي للإستبداد بالحكم.
كل هذه كانت ولازالت ميزات للدولة القائمة في تونس. لا تخلطوها مع ممارسات الدولة البوليسية التي كان بن علي رمزاً لها.
وهي إرث حضاري تاريخي بدأ في القرن التاسع عشر، مهد لمدنية الشعب التونسي وثقافته. فأمنتكم بالله لا تتعاملوا مع ميراثكم الناصع كما لو كان إثماً، ثم لا تتركوا الإسلاميين ينهشون فيه ويحولوه إلى إثر بعد عين.
لعلكما تشعران الآن ، عزيزي القاريء عزيزتي القارئة، بقدر قليل من الإمتعاض. تتساءلان عن مبرر حديثي هذا الآن؟
وردي يتطلب مني أن احيلكما إلى الأحاديث التي يدلي بها هذه الأيام بعض قادة الإسلاميين التونسيين ثم شعاراتهم التي رفعوها بعد أن فر بن علي وأسرته، والرسائل التي يتبادلونها. هي التي أثارت قلقي، وهي التي دفعتني إلى كتابة هذا المقال.
الأمين العام لحزب النهضة حمادي جبالي أدلى بحديث لصحيفة التاجز أنزايجر السويسرية الناطقة باللغة الألمانية بتاريخ 20 يناير، رفض فيها أن يحدد موقفاً واضحاً من دستور تونس المدني، ثم تحدث بحديث غامض هلامي عن الشريعة. من يقرأ حواره يدرك أن الرجل يريد أن يحول تونس إلى دولة دينية.
ثم عاد وتحدث عن تعددية الزوجات وحقوق المرأة "الإسلامية"، كأن ما تتمتع به المرأة التونسية، والذي تحسدها عليه نساء العالم العربي، ليست حقوقاً؛ أو كأن قانون الإسرة التونسي لا يعتمد على تفسيرات فقهاء متنورين لم يجدوا أي تعارض بين مفهوم العدالة في العلاقة بين الرجل والمرأة في الأسرة وبين الإيمان بالله. أقرأوا تاريخكم حتى لا يأتي مثل هؤلاء ويشككوكم في إرثكم الحضاري.
ثم إنتبهوا إلى الشعارات التي خرج بها بعض الإسلاميين إلى الشوارع: ''الحجاب والنقاب يا حكومة الذئاب'، "النشيد الوطني حرام"!!
هل هذا ما خرجتم رجالا ونساءا إلى الشوارع تطالبون به؟ هل هذا ما خاطرتم بحياتكم من أجله؟ من أجل دولة كهنوتية؟ حكم ديني يسلبكم حرياتكم الشخصية وكرامتكم؟
لم يكن للإسلاميين دوراً في ثورتكم، لم يكن لهم دوراً في ثورتكن، فلا تفرطوا فيما حققتوه، لا تدعوه يضيع هباءاً، لا تتركوا الضباع تنهشه.
ثم لا تدعوهم يستحوذون على الساحة.
كونوا أقوياء، كن قويات.
أرفعوا أصواتكم عالياً.
إرفعن أصواتكن عالياً.
كونهم إسلاميين لا يعني أنهم يتحدثون بإسم الله.
أمنتكم بالله أن تدركوا معنى هذه العبارة.
كونهم إسلاميين لا يعني أنهم يتحدثون بإسم الله.
الله والدين لا علاقة له بما يقولونه. هم قوى سياسية تطمح إلى الوصول إلى السلطة وتستخدم الدين وسيلة لتحقيق هدفهم.
فأصروا ثم صممن على وجود ضمانات دستورية تحمي ديمقراطية الدولة، الحريات الشخصية، علمانية الدولة ومدنيتها، وقانون الأسرة.
كي تصونوا ثورتكم عليكم ثم عليكن أن تصروا على أن أي مشاركة لأية قوة سياسية، ومنها الإسلامية، يجب أن تتم وفقاً لضمانات دستورية تحدد خطوطاً حمراء لا يمكن المس بها، أهمها التداول السلمي للسلطة، حقوق الإنسان وحريته، علمانية الدولة، وقانون الإسرة.
لا تدعوهم يستخدمون فزاعة الدين ليدفعونكم إلى التراجع عن مكاسب وطنكم.
أنتم وأنتن من صنع هذا الحدث. وتونس هي وطنكم.
فلا تتركوهم يسرقون ثورتكم كما فعل الخميني في إيران. ثم لا تدعوعم يغتالون الوطن في قلوبكم.
بل كونوا لنا النموذج في العالم العربي، كي تكون تونس لنا الأمل.
إلهام مانع