منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، وأسئلة كثيرة تنهال علي هنا في موطن الهجرة سويسرا، من بعض السويسريين أنفسهم.
"أنت مسلمة"، كانوا يقولون، "لما لا تشاركيننا الرأي فيما يحدث من حولنا".
أو يقولون "كمسلمة، ما الذي يعنيه لك مقتل المخرج الهولندي فان جوخ، أو الهجمات الإرهابية التي استهدفت لندن.. الخ".
وفي كل مرة كنت اشعر بالرغبة في الصراخ.
في شد شعري، والزعيق في وجههم.
فالمشكلة التي كنت أواجهها في كل مرة يطرح علي مثل هذا السؤال "كمسلمة"، هو أني لم أعتبر نفسي يوماً "مسلمة"!
أليس من الغريب أن تفرض عليك هوية ما، ثم تجدها ملتصقة بجلدك، مكتوبة على جبهتك وأنت لا تدري؟
كوني "مسلمة" لا يزيد عن رؤية من يفرضها علي، لأنه لا يري في كياني المتواجد داخل مجتمعه سوى الجانب الديني منه. هذا رغم أني أحمل الجنسية السويسرية مثله، ولي نفس الحقوق والواجبات التي يتمتع بها محدثي.
وأنا بالتأكيد مكونة من هويات عديدة، لكن "المسلمة" منها ليست المحددة الأولى لطينتها.
هويتي تتداخل في دوائر متشابكة، ثلاث منها هي الأكثر وضوحاً. الدائرة الأوسع والأهم فيها هو كوني إنسانة.
إنسانة.
لا أقول هذا لأن وقع الكلمة جميل. ويعلم الله أن وقعها جميل، نلوك بها ألسننا ولا نعنيها في الكثير من الأحيان.
أقولها لأني أؤمن بها.
أؤمن أن الهدف الأسمى في الحياة هو حماية كرامة الإنسان.
هو أولا وأخيرا.
تماماً كما أنه هو الحل، الإنسان لا الإسلام.
وأن هناك قيم إنسانية تتجاوز اللون والجنس والدين، قيم تجعلني أنظر في عيني محدثي بغض النظر عن هويته، وأرى فيهما شيئاً غالياً، شيئاً نفيساً يستحق أن أحترمه وأجله.
تقف ضمن الدائرة الإنسانية دائرة الهوية العربية واضحة هي الأخرى.
لا أقول يمنية.
رغم أني أعتز بجذوري اليمنية، وأفخر بها.
بل أقول عربية.
عربية لأني ولدت في مصر، وفي عروقي تجري دماء مصرية أيضاً.
عربية لأني عشت في بلدان الوطن العربي، في مغربها ومشرقها وخليجها.
ولذلك تشربت بلغتها،
اللغة الهوية الأم،
أمي التي رضعت من حليبها.
وعشقت ثقافتها.
وتمثلتها نفساً أستنشقه كلما خنقتني الغربة.
لكن كل ذلك لم يجعلني عنصرية في محبتي لهويتي العربية. فقد عشت أيضاً في بلدان أخرى غير عربية، إسلامية وغربية.
والنتيجة التي خرجت بها من كثر الترحال أن البشر يتشابهون كثيراً. قد يختلفون في أنماط وأساليب حياتهم، في طرق التعبير عن ثقافتهم وهويتهم، في ألوانهم وألسنتهم، لكنهم في النهاية يحبون، ويكرهون، ويقلقون، وهم في العادة عنصريون.
أخيراً، تأتي دائرة انتمائي للإسلام. وهي دائرة خاصة للغاية، اخترتها اختيارا. فلو كنت ملحدة لقلت إني ملحدة.
لكني قررت أن أكون مسلمة.
فهذا من حقي، أن أؤمن بما أشاء.
ورغم قراري هذا، أحرص علي كينونتي المسلمة من العلانية، هي جانب حميم مني، فيها أعايش روحانيتي، وبها أشبع احتياجي إلى الله.
وهي في كل هذا تظل هوية خاصة، ليست شاملة، ولا أريدها أن تكون شاملة.
أنا كيان معقد، لست شيئاً مبسطاً كما قد يرغب البعض في تصويري.
وهذا البعض يقف على جبهتين، جبهة هنا في موطن الغربة، لا ترى في الأجنبي إلا الجانب الذي تخشاه أكثر. ذلك المسلم الذي يخيفها ولا تفهمه.
وجبهة لدينا في العالم العربي، تريدنا أن ننسى إنسانيتنا، وتجمعنا في دار حرب، وتقول لنا إن الدين هو الهوية، وتلغي بذلك هويات مواطنيها من غير المسلمين.
وكلاهما يتفقان على أن هناك رؤية واحدة أسمها "نحن ضد الآخر".
أنا لا أنتمي لا لهذا و لا لذاك.
ولا أؤمن بتلك الرؤية.
رغم أنها تبقى إنسانية حتى النخاع في عنصريتها.
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
ردحذفاستمتعت بقراءة هذه التدوينة والتي تشارك في موضوعها حملتنا حملة من أنا؟
تفضلي هنا لتعرفي عنا أكثر وشرفينا بالتعليق فيها ونشرها أيضًا
http://hawiahislamiah.wordpress.com/