"هو
استعمار جديد. أليس كذلك؟" قالها لي أستاذ في علم الأديان نيوزيلندي.
كنت مدعوة معه لحضور مؤتمر دولي
عن الحوار بين الأديان في جامعة بيرن، في الثامن من نوفمبر من الشهر الجاري.
وكان دوري أن ألقي المحاضرة
الافتتاحية للمؤتمر. وبسبب مضمونها،
دخلنا أنا وهو في حوار على مدى يومي المؤتمر.
ووجدت فيه باحثاً يحلو النقاش والجدل معه.
لكن عبارته استوقفتني.
استوقفتني لأنها صحيحة.
نعم.
هو" استعمار" بالفعل.
واستعمار من "نوع جديد".
استعمار "من الداخل".
كنا نتحدث عن المد السلفي/الإخواني الذي غير من
التركيبة الديمغرافية في العديد من البلدان، وانعكس على هوياتها ورؤيتها للدين
وللعالم.
وكانت عبارته.
"هو استعمار جديد. أليس
كذلك؟"
ولم اتمالك من التوقف، والنظر
إليه محدقة.
راجعت عبارته في عقلي ووجدتها
صحيحة.
ألا يسعى المد المتأسلم
الجاري إلى تغيير هوياتنا الوطنية، يمحي مفهوم الوطن، ثم يصر علينا أن نغير من
أساليبنا في الحياة، في الأكل، في الملبس، وفي تعايشنا مع أبناء وبنات وطننا في
تعدديتهم؟
تذكرت أمي. تقص علي كيف كانت
أسرتها تقتسم الخبز والأفراح والأحزان مع أسرة مصرية مسيحية تسكن في نفس العمارة
في المحلة الكبرى. ولدُت أنا في هذا البيت. وإلى جانب الداية كانت الجارة المسيحية
تقف مع جدتي على رأس أمي وهي تلدني.
وكان الله محباً.
اليوم حل الخوف والشك جداراً
بين المصريين والمصريات.
وبعد أن كانت اللقمة تقُسم
وتنغمس معاً في القدر، اصبحت ابواق التأسلم السلفي/ الإخواني تزعق محذرة من
الأكل مع "النصارى".
ابواق السلفية الإخوانية. ابواقُ
كراهية.
تذكرت كيف كان الزيدي
والشافعي يصليان معاً في مسجد واحد في اليمن الشمالي.
اليوم لا يصليان معاً.
يقفان غريبان.
مسلم ومسلم.
لكن التأسلم السياسي يقول إن
الإسلام لون واحد. ولونه هو هو الصحيح. لا لون غيره.
ومع التطرف الذي امتد في
اليمن، شماله وجنوبه، بدأت المذاهب الدينية الأخرى تتطرف.
تطرف سني سلفي/اخواني أدى إلى
تطرف زيدي.
فانقسمت الأسر على بعضها.
يرفض البعض منها حضور حفل زواج الأخر لأنهم ليسوا "مسلمين كفاية"!
تماماً كما أن التطرف
الإسلامي السني في مصر أدى إلى انكماش الأقلية المسيحية على نفسها، وتطرف بعض
شرائحها.
وبعد أن كانت الألوان تصدح وتتلألأ في بلداننا انتشر
السواد. ليطغى على الألوان.
الأسود أصبح لون الحياة.
استعمار جديد.
استعمار متأسلم. يتمسح بالدين، وفي الواقع لا علاقه له بالإيمان بالرحمن.
انتشر بدعم مالي رهيب. انتشر
بترويج إعلامي لا مثيل له.
انتشر بجناحيه السلفي
والأخواني، وأزيد عليه التأسلم السياسي الشيعي، حتى لا ننسى.
يقولون لنا إن الدين
"ديننا نحن"، و "ما تتبعون أنتم باطل".
وأن اللون "لوننا
نحن"، و"الوانكم رجز من عمل الشيطان".
أما الأسود، "فهو لون
الحياة".
حياة يحكم فيها طاغوت كهنوتي.
حياة مسُتعمرة.
فهل نقبل بهذا الاستعمار؟
لا.
بل نقاومه.
لا أريد الحياة التي يفرضها
علي.
لا أريد حياة مكبلة بالخوف. مغموسة
بالكراهية ورفض الأخر.
بل أريدها حياة تؤمن أن
الإيمان محبة.
نور وخير.
وأن الإنسان واحد.
واحدٌ، بالضياء الذي فيه.
لا أصنفه إلى أنواع، اقبل ببعضها واكره بعضها ثم
اقتل غيرها.
جميع البشر متساويين في
الكرامة والحقوق.
ولأن هذه قناعتي
سأقاوم هذا الاستعمار.
وسلاحي الكلمة والفكرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق