"الناس مش لاقيه تاكل يا
أبله إلهام".
قالتها لي المصرية الريفية الشابة، التي تعمل
كخادمة في الصيف كي تعين أسرتها على الحياة.
تعمل في الصيف ثم تعود إلى
المدرسة كي تتسلح بشهادة علمية، في بلدٍ لا تسد الشهادة العلمية فيها جوعاً.
و كان هذا ردها علي عندما
سألتها عن رأيها في الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك.
ردها جاء دون تفكير، جاء
سريعاً، جاء واضحاً.
"الناس مش لاقيه
تأكل".
أن يثوروا، أن يثرن، رغبة في
التغيير كان أمرأ ضروريا.
تريد دولة تحميها. لا دولة
تعمل كحارس شخصي لأقلية تعتبر الدولة ومواردها عزبةً ورثتها عن أبيها، ملكاً لها ولحاشيتها.
تريد دولة توفر لها الأمان.
توفر لها تعليماً يُمكنها من أن تعيش حياة كريمة.
لا تشعر بالخوف من الأيام.
يسكنها رعب دائم وهي تلهث لإطعام أفواه جائعة تنتظرها في البيت.
أن يثوروا، أن يثرن، رغبة في
التغيير كان أمرأ ضروريا.
لكن هذا التغيير الذي تنشده
الأغلبية المسحوقة لم يتحقق حتى اليوم.
ولذلك، اعذراني، عزيزتي
القارئة عزيزي القارئ، عندما اقول لكما أن دمي أحترق وأنا أطالع صحيفة المصري
اليوم.
أحترق دمي.
أي والله. وارتفع ضغط دمي. ولولا
بقية من أمل ليأست.
تسألان عن السبب؟
خبر اوردته صحيفة المصري اليوم يوم
الأربعاء، 14 نوفمبر 2011، يشير إلى مطالبة رئيس مجلس الشورى المصري وزارة
الداخلية بإعادة الضباط الملتحين إلى العمل والسماح لهم بإطلاق اللحية.
وعندما رد عليه نائب مساعد وزير الداخلية للأمن
العام بقوله إن لوائح جهاز الشرطة تمنع إطلاق اللحية، رد عليه رئيس مجلس
الشورى:" إن السنة مقدمة على اللوائح والعرف".
انتهى الخبر.
الناس مش لاقيه تأكل، ورئيس
مجلس الشورى منشغل بلحي ضباط سلفيين.
لحية تطلقها أو تحلقها.
ورئيس مجلس الشورى مشغول
بالذقون.
يا سلام.
والناس مش لاقيه تأكل.
كأنه وفصيله السياسي المتأسلم
يريد أن يلهينا عن القضايا الرئيسية في المجتمع، ويدفعنا إلى التركيز على خرم
إبرة.
لحية.
والناس مش لاقيه تأكل.
------
هذا الجانب الأول مما حرق
دمي.
الجانب الثاني أخطر.
في الواقع أن الأدهى هي
العبارة التي استخدمها بعد ذلك، عندما قال :"السنة مقدمة على اللوائح
والعرف".
يبدو لي أن رئيس مجلس الشورى
لم ينتبه أنه يمثل دولة مصر التي خرج من أجلها شباب وشابات مصر في الخامس والعشرين
من يناير.
دولة مواطنة.
دولة مدنية.
القانون فيها ، مؤسساً بمبادئ
المواطنة وحقوق الإنسان، يصبح حكماً.
لا السنة النبوية.
ومع احترامي للسنة النبوية،
الدولة الحديثة لا تُحكم بالسنن النبوية، أياً كان هذا النبي.
تحكم بدستور مدني علماني
حديث. يؤسس لمفهوم المواطنة المتساوية بين كل أبناء وبنات الوطن بغض النظر عن
الدين، المذهب، الجنس، اللون، الفكر أو العقيدة.
هذا ما نتوقعه من الدولة التي
خرج من أجلها الناس.
أما عندما نبدأ في السماح
لضباط بإطلاق اللحي ونقول السنة النبوية مقدمة على اللوائح، هل نعني بذلك أن السنة
النبوية ستطبق أيضاً على المواطنين من غير المسلمين، أو من غير المؤمنين؟
أية دولة يمثلها رئيس مجلس
الشورى؟
اية دولة يمثلها الرئيس المصري الحالي، الذي
يطالب مواطنيه (لا المواطنات) بالصلاة كي يبارك الله في عملهم. هل انتخب المصريون
والمصريات شيخ جامع أم رئيس دولة؟
الدولة الحديثة يجب ان تأخذ
موقفاً محايداً من الدين.
تحترمه، لكن لا تعتنقه. الدول
لا تعتنق أديان.
هي دولة.
مفروض عليها أن تمثل كل
مواطنيها ومواطناتها بغض النظر عن الدين، المذهب، الجنس، اللون، الفكر أو العقيدة.
ولذا، اقولها بصوت عالٍ، فإن السنة النبوية ليست مقدمة على القانون في
الدولة الحديثة.
------
دائماً ما أقول لطلابي
وطالباتي في مادة الإسلام السياسي، إذا أردتن ان تحكمن على حزب ما، قارنَّ بين ما
يصرحون به، ثم ما يطبقونه على ارض الواقع.
وما يحدث الآن على ارض
الواقع، أن الإخوان المسلمين يسعون حثيثاً مع السلفيين إلى إجهاض الثورة المصرية و
يفرغونها من محتواها.
يريدونها دولة طائفية مذهبية
دينية لا تعبر عن دولة المواطنة التي وقف فيها المواطنات والمواطنون، يداً واحدة، بغض
النظر عن انتماءاتهم الطبقية أو الدينية او الفكرية، يغنون صوتاً واحداً في ميدان
التحرير "بلادي بلادي".
يبدو ذلك واضحاً من الدستور
الطائفي المذهبي الذي يطبخونه في جمعيتهم التأسيسية.
دستور يخلق هرماً، يقف على
رأسه مسلمون من أتباع المذهب السني، وحتماً ذكور.
وغيرهم وغيرهن مواطنون
ومواطنات من الدرجة الثانية أو السابعة.
دستور يعطي الرئيس سلطات شبه
مطلقة.
يجعلنا ندرك أن مبارك ومرسي
وجهان لعملة واحدة. الأول يتمسح بالعلمانية والثاني ديني كهنوتي طائفي.
لكنهما وجهان لعملة مستبدة
واحدة.
ثم يدخلونا في متاهات.
بدلاً من أن يتحدثوا عن
القضايا المجتمعية التي تهم الإنسان في وطنهم، عن الفقر، عن العدالة الاجتماعية،
عن الفساد، وعن ديمقراطية مدعمة بحقوق الإنسان، يشغلوننا بلحية ضباط سلفيين.
ثم الأدهى يريدون أن يجروا
مصر إلى غياهب الظلام.
يطالبون بزواج الطفلات.
يطالبون بالسماح بختان
الفتيات.
ويزعقون وهم يطالبون.
ويصرخون وهم يطالبون.
وفي كل هذا يصرون على الشريعة
كمصدر لكل القوانين.
ويقولون إن من لا يريد
الشريعة كافر. ملحد، ملعون في الدنيا والآخرة.
وأنا لا أريد الشريعة
الإسلامية، ولست كافرة.
لا أريد الشريعة الإسلامية.
ولست كافرة.
فلا ترتعبا من تهمة الكفر.
اصبحت موضة. لا معنى لها.
أريد دولة تحمي الإنسان في
الوطن، أياً كان هذا الإنسان.
وأريد دولة تركز طاقاتها على
هموم مواطنيها ومواطناتها.
إذا أراد رئيس مجلس الشورى أن
يتبع السنة النبوية، فهو حر. لكن طالما أنه رئيس مجلس الشورى فعليه أن يمثل كل
المصريين والمصريات، لا المسلمين والمسلمات منهم. والسنة تحديداً.
"الناس مش لاقية تاكل يا
رئيس مجلس الشورى".
وأنت مشغول بذقن الضابط
السلفي؟
صحيح. اللي إختشوا ماتوا.
-----
أعتذر عن عدم إكمال موضوع
الآيزيدية كما وعدت هذا الأسبوع، لكن هذا الموضوع حرق دمي فكان لا بد من كتابته.
أعود
إلى موضوع الآيزيدية الأسبوع القادم، الثلاثاء تحديداً.
وبعده أحدثكم عن اقلية أخرى نسمع همساً عنها، ونخاف
عليها من الهمس.
عن مسلمين ومسلمات تحولوا إلى
المسيحية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق