الثلاثاء، 5 أبريل 2011

لا صوت يعلو فوق صوت الثورة! حقاً؟

أكره أن اكون الصوت الناعق ضمن سرب يغني. ورغم جمال صوت أغنية السرب، وإيماني بهدفها، لابد من الإصرار على التوقف. نتمهل. لحظة. نتأمل. ندقق. نتفكر، ثم نخطط، كي يكون المستقبل لكَ ولكِ، ولنا جميعاً.
--
تقول لي، وهي الناشطة المعروفة: "كلما حاولت أن انبه إلى تجاوزات سافرة في العمل الميداني، ترتفع الأصوات: ’لا تشقي الصف. كل هذا سنجد له حلاً بعد ان يرحل‘".
ويقول لي، وهو القائد الشاب في الميدان:"كلما حاولت أن الفت الإنتباه إلى أن إلباس الأطفال قمصان عليها عبارة ’مشروع شهيد‘ لايعبر عن مشروع الحياة الذي نسعى إليه، ترتفع الأصوات مؤنبة، ثم يتهمني البعض بأني ’علماني، ليبرالي، متغرب‘".
وأنا عزيزي وعزيزتي، كما تعرفان، علمانية حتى النخاح وافتخر، لكن لإن ثقافة التطرف ظلت تضرب على نفس الوتيرة لأكثر من نصف قرن، تحول مصطلح هو في الواقع النقيض لحكم الكهنوت الديني إلى شتيمة.
الملفت في حديثهما إتفاقهما على أنهما يقفان وحدهما رغم أن الكثيرين والكثيرات ممن حولهما يؤيدون مواقفهما. لكن هؤلاء الكثيرين صامتون! هؤلاء الكثيرات صامتات!
الصمتُ يمتعضُ... همساً... في الأنفس!
والصمت، خاصة عندما يكون هامساً، يُغري الجبروت. فيبدأ في بسط جناحيه، حتى يستفرد بالساحة فإذا بالثورة تتحول عن مساراها، وتعود بنا إلى مربع الصفر من جديد. فهل هذا ما نريده؟
----
الناشطة المعروفة والقائد الشاب لم ينسيا للحظة الهدف الذي خرجت من اجله هذه الجموع إلى الشوارع. يطرحان السؤال دائماً: "لماذا خرج شبابانا وشاباتنا إلى الشوارع؟"
خرج الشباب والشابات بحثا عن مشروع حياة، عن مشروعِ مستقبلٍ يُعيدُ هذه الأوطان إلى اصحابها، لهم، لهن، وللجيل القادم من بعد.
وهما كما هو واضح مدركان أن مشروع الحياة هذا يجب أن يختلف عن ثورات الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وأن يتعلم من أخطاء الماضي.
قديماً قِيل لجيلِ أبي: "لا شيء يعلو فوق صوت الثورة".
والثورة كانت تَعدُ أبناءَها (لا بناتها) بالتنمية، بالتقدم، بالعدالة، والإشتراكية في صورها المتعددة.
قِيل لجيل أبي:"لا شيء يعلو فوق صوت المعركة".
والمعركة حينها كانت ضد دولة إسرائيل.
وِقيل لجيل أبي: "الوقت ليس مناسباً لترف الديمقراطية، وخلافات الأحزاب. الوقت وقت تنمية، الوقت وقت معركة".
وجيلُ أبي كان حالماً محباً للوطن هو الأخر. فصدق، وليته لم يصدق.
أبي مات قبل شهر وهو في إنتظار ان تأتي تلك التنمية. في إنتظار أن تُحسم تلك المعركة، وفي أنتظار أن يرى تلك العدالة والتقدم. وكان من زمان بعيد قد فقد إيمانه بالإشتراكية العلمية بعد أن رآها مطبقة في ألمانيا الشرقية.
مات الرجل محسورا، لأنه آمن بالوطن، ثم رآه منحوراً أمامه. فإنسحب من الحياة، لكنه غرس بذرتها في نفسي وأخي، ولم ييأس. بقي الحلمُ نابضاً في قلبينا من بعده.
-----
اليوم نقف من جديد أمام مفترق طريق. علينا أيضاً أن نختار.
هذه المرة لم تكن الثورات نتيجة إنقلاب عسكري.
هذه المرة خرجت الشعوب إلى الشوارع تُطالب بالتغيير.
تبحث عن أوطانها. تحلم بالحياة، وتغني للمستقبل.
بيد أن الحلم يبقى في السحاب غائماً إذا لم نُعد ونخطط لترجمته على أرض الواقع.
ولذا علينا أن نتوقف، لحظة. نتمهل. لحظة. ثم نتأمل. ندقق ونتفكر ثم نخطط.
تسألاني كيف؟
حسناً.
سيكون علينا أولاً أن ندرك أن هناك الكثير من القوى الساعية إلى إجهاض حركة التغيير الشابة قبل أن تخرج إلى الحياة. وهذه القوى كثير منها داخل الواطن، تلك التي كانت جزءا من النظام سابقاُ ثم تحولت بقدرة قادر إلى ’قوى ثورية‘، أو تلك الأصولية المتطرفة، التي وفرت دوماً غطاءاً شرعياً للحكم القائم، وقبضت الثمن، ثم ’أكتشفت فجأة‘ أنها ’تكره الفساد‘.
كلاهما لا يؤمنان بمفاهيم الديمقراطية او الشفافية، كلاهما على إستعداد لركوب الموجة إلى حين، وكلاهما ينتظران الفرصة كي يُعيدا عقارب الساعة إلى الوراء.
وبعض هذه القوى إقليمي، وتحديداً إيران والسعودية. لأنهما يمثلان مشروعَ دولة دينية لا تؤمن بالمواطنة المتساوية، أو بمفاهيم الديمقراطية المدنية. ولأن حركة التغيير القائمة تهز اركان نظامهما، فإنه من البديهي أن يقفا في خندق واحد يريدان طمر نداء الحياة، كي لا يصل إلى شعبيهما العريقين.
هذه إذن أولاً.
هناك من يتربص بهذه القوة الخلاقة الدافعة للتغيير. وعلينا أن لا نستهين بهذا التربص.
-----
الثانية تدعونا إلى أن نتعلم من أخطاء الماضي. في الماضي إستسهلنا الأمور، وتسرعنا، فخرج مشروع الوطن مشوهاً.
وكي نستعيد أوطاننا، علينا أن لا نكرر اخطاء الماضي، بل نبنيها على إسس صحيحة: مدنية، ديمقراطية، وتوفر مبدأ المساواة في المواطنة.
الأساس المدني لا يعني أكثر من أن نفصل الدين عن الدولة. والفصل بين الأثنين لا يعني الدعوة إلى تدمير الدين. بل تعني فقط إعادة الدين إلى حيزه الطبيعي، الشخصي. تؤمن أو لا تؤمني شأنكما الخاص.
وأهمية هذا المبدأ أنها تجعل كل المواطنين والمواطنات في الدولة يقفون على قدم المساواة أمام القانون.
الهوية في الوطن هي المواطنة.
مصري، مصرية.
يمني، يمنية.
تونسي، تونسية.
ليبي، ليبية.
أما القناعات الدينية فهي لله عز وجل.
والدولة يفترض فيها أن تكون وطناً لجميع مواطنيها ومواطناتها، بغض النظر عن الدين، الجنس، اللغة، اللون، أو العرق.
ولكي تكون قادرة على فعل ذلك عليها أن تكون مدنية.
دولة مدنية.
--
الأساس الديمقراطي في المقابل يعني بناء دولة يتم فيها تداول السلطة بشكل سلمي، تشارك فيها كل القوى السياسية، وتحترم مبدأ حرية الرأي والمشاركة السياسية لمواطنيها، وتُوفر مبدأ المحاسبة لمسؤوليها. ولكي يحدث هذا من الضروري التأكيد على حرية العمل الحزبي، لا أن نبدأ كما نرى اليوم في اليمن في تعليق شعارات ’لاحزبية ولا أحزاب‘. كيف نطالب بالديمقراطية وندعو في الوقت نفسه إلى القضاء على الحزبية؟
لكي يحدث هذا علينا بناء دولة مؤسسات تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات.
ولكي يحدث هذا علينا أن نغير دساتيرنا بصورة تضمن توفير الأساس المدني الديمقراطي للدولة، وتحمي هذا الأساس من خلال مواد دستورية لا يمكن تغييرها بأية أغلبية.
المانيا لديها مواد دستورية ’دائمة‘ لا يمكن تغييرها، تتعلق بالأساس المدني الديمقراطي للدولة وبحقوق المواطنة والإنسان. أدُخلت هذه المواد على قانونها الأساسي بعد الحرب العالمية الثانية، كي لا تتكرر فضائع المحرقة النازية.
مثل هذه المواد من الضروري إدخالها في دساتيرنا. لأننا ببساطة في حاجة إليها مع وجود أحزاب دينية لا تؤمن بالمواطنة المتساوية أو بحقوق الإنسان كما تعُرفها المواثيق الدولية.
دولة مدنية ديمقراطية.
---
الأساس الثالث هو المواطنة المتساوية. كل من يولد على أرض الوطن ويحمل جنسيتها هو مواطن، له نفس الحقوق والواجبات كغيره من المواطنين والمواطنات. نفس الحقوق والواجبات. بدون تمييز.
لا يمكننا أن نطالب بدولة مدنية ديمقراطية عادلة ثم نقول المسيحيين أهل ذمة. أو نقول اليهودي لا حقوق له. أو نقول أن البهائية ليست ديناً. أو نقول أن الكردي أو الأمازيغي ليسا عرباً ولذا مواطنتهما منقوصة.
كلهم، كلهن مواطنون ومواطنات. يقفون وتقفن، رجالا ونساءا، متساويين ومتساويات أمام القانون.
وهي ليست مّنة. إنتبها أيها الأعزاء. ليست مّنة مننا أن نقول "سنعامل المسيحيين واليهود كمواطنين". هذا حق. حق كل إنسان يحمل جنسية الوطن. أن يكون مواطنا، أن تكون مواطنة.
متساوون ومتساويات أمام القانون.
كما لا يمكن أن نتحدث عن تغيير مدني ديمقراطي عادل فعلاً دون أن نتحدث عن المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات.
إذا لم تكن موجات التغيير القائمة في المنطقة معنية بحقوق المرأة وإحترامها، فإنها ببساطة لن تكون إلا تكراراً لثورات الماضي الحزينة، وسنعود من جديد إلى مربع الصفر.
ورجوتكما أن لا ترفعا أعينكما إلى السماء، تتأففان، وتقولان "هاهي تتحدث من جديد عن حقوق المرأة. كأن هذا وقت هذا الكلام.".
في الواقع، الآن تحديداً هو وقت هذا الحديث. ليس غداً. ولا فيما بعد، ولا بعد أن يرحل. الآن. كي لا تتمادي الأحزاب الدينية في التكشير عن أنيابها، وكي تكون الثورة ثورتها هي الأخرى، ثورة المرأة وحقها. لأنها كما كانت وتظل شريكة في المظاهرات، فأنها شريكة في المواطنة. وكما وقفت مع الرجل يواجهان معاً الرصاص والدموع المسيلة للغاز، تقف معه أيضاً متساوية في الحقوق والواجبات. ليس هبة. ليس تصدقاً. بل حقها. لأن حقها كحقه.
إنسان.
كلاهما إنسان.
---
كل هذا يجب أن نطرحه اليوم. اليوم قبل غداً.
لا أن نصمت، ونبتلع احلامنا، كي يأتي من يتربص بها، ينهشها فتصبح هباءاً.
لا تدعا الصمت يمتعض في نفسيكما همساً.
بل إرفعا صوتيكما. عالياً. يصدح. تواقاً إلى الحياة.
ودافعا عن حلم الإنسان في وطنه: وطن آمن عادل لكل مواطنيه ومواطناته. وعندما يأتي من يقول لكما بأنه لا صوت يعلو فوق صوت الثورة، ردا عليه ببساطة، "بلي: صوت الإنسان|.
لأنه لو كان الإنسان غائباً عن روح هذه الثورة، فلا داعٍ لها.

إلهام مانع

هناك 8 تعليقات:

  1. دائما اقول لا تشوهوا الاسلام باقحامه بامور السياسة وبما يتوافق مع مصالحكم .الاسلام كان وما يزال دين الوسطية والتسامح وحرية الفكر والمعتقد،ودين التعايش وتقبل الاخر.المشكلة في الحاصل الان هو الخلط بين الدين وبين شخصيات اسلاميةاجتهدت وطرحت اجتهادها للناس على انه الدين وليس علبناالا تقبل افكارهم وتطبيقها دون تفكيراو مناقشة،ببساطة تعلقوا بالدين ليحققوا ماربهم ،وهذا ما نعانيه نحن العرب واليمن بالتحديد.دائما هناك اطر وحدود للتفكير في العالم العربي لا تستطيع تجاوزها واذا فعلت اتهموك بالالحاد والكفر ...


    انا مع مبادئ ثورة الشباب السامية التي تسعى لخلق حياة مدنية كريمة لكل اليمنيين دون اسثناء لا انكر ان الاحزاب في اليمن ساهم في تدهور البلاد وادخلها في دوامات هي في غنى عنها،ولكن اختلاف انتماءات الناس يندرج تحت الديمقراطية.

    اعتقد ان مفهوم العلمانيةالديمقراطية جزء من الاسلام،يقول الله تعالى "لكم دينكم ولي دين" ،نقول نحن الاساس في خلقنا هو عبادة الله بتعمير الارض !
    السؤال هو كيف سنحقق ذلك اذا لم نتعاون ونطرح اختلافاتناالدينيةوالطائفيةوالجنسية جانبا ونتشارك في بناء مجتمع ديمقراطي متسامح قائم على تكافؤ الفرص والعدالةالاجتماعية ؟


    ندى

    ردحذف
  2. سلام دكتورة
    لا ادرى عندما قرات وصفك للناشطه وكاننى ارى ملامح توكل كرمان الاصلاحية ذات التوجه الليبرالى
    على العوم دكتوره احساسى وانا اعيش فى اليمن فى بدايه الانتفاضه الشعبيه كانت بريئه فى حينها لكنها اليوم استلبت من طرفين
    حزب الاصلاح وجماعه العسكر بزعامه على محسن

    جل خوفى عزيزتى ان نخرج من هذه الثوره الشبابيه الى نفس المربع ان لم يكن اسوء فتحالف الاصلاح الدينى مع العسكر مخيف على دعوتنا الى الدوله المدنية

    دمتى بخير
    البركان اليمانى
    مدونتى
    www.alborkan2011.blogspot.com

    ردحذف
  3. الاستاذه القديره الهام رائعه و كلامك اكثر من رائع, اتمنى ان ارى نساء اليمن كلهن مثلك...

    ردحذف
  4. سيدتي الفاضلة..
    قرأت مقالا لك عن حسن البنا و ذكرتِ فيه كمال اتاتورك..
    يشرفني لو أمكن أن أهديكِ نسخة من كتابي عن الماريشال كمال أتاتورك بإسم إمام الأتراك..
    لو تقبلي الهدية فأرجو إرسال تفاصيل عنوان الارسال على الايميل:
    sigon_1977@yahoo.com

    ردحذف
  5. قرأت كثير وكثير ولم أجد مدونة أكثر من مدونتك تفضيل فى اسلوبها الرائع ذات التأثير لذلك أدعوكى الكتابة معنا لتكونين من اعضاء التحرير ل (جريدة التل الكبير كوم)..وهى على النت وواسعة الأنتشار وتحتاج الى قلم رصين مثل قلمك مع تحياتى (ابراهيم خليل -رئيس التحرير)..زت:0118373154 أو الأميل ibrahimkhalil20102000@yahoo.com ..او التعليق فى المدونة بالموافقة وشكرا(ابراهيم خليل).

    ردحذف
  6. ارسلت الي حضرتك رقم جوالى 0118373154/ مصر .. بناء على
    طلبك حين حضور حضرتك الأسكندرية وزيارتك القاهرة /مصر
    وكم كنت سعيدا جدا بهذة الزيارة ولكثرة التليفونات التى ترن علي .. خشيت ان تكونى متواجدة ولم تتصلى ارسلت اليكى اكثر من خمس اميلات اتمنى ان تكون قد وصلت . . كما اتصلت بكم الشاعرة رجاء من السعودية ترحب بقدومكم الى مصر وهذا شرف كنا فى انتظارك من يوم 26 يوليو وحتى اليوم 2/5 لعل المانع خيرا تحياتى (ابراهيم خليل-رئيس تحرير جريدة التل الكبير كوم).

    ردحذف
  7. خلق الله البشرية وجعلها تتطور وانحط مستوى تفكيرها حتى وصل إلى عبادة الحيوانات والنار حتى الحجارة لم تسلم من تتطور عقلية البشر، البشر بطبعهم يريدون قانون يلزمهم، كما لكل شركة قوانين يطرحها صاحب العمل، فالشريعة قانون من يملك الدنيا ومن عليها، وإذا أرد أحد أن يتمرد على هذه الشريعة فليبحث عن كون آخر لا يملكه ملك الملك ليعيش فيه، فهل ستجد غيره؟؟؟؟

    ردحذف
  8. يا دكتورة إلهام
    المشكلة أن الدستور اصبح مهزلة وكل ما طلع حزب للحكم وغيره حسب هواه

    ردحذف