والله، أني كدت أبتسم.
لكني إحترت كيف أبتسم؟
ثم قلت لنفسي، إن الإنسان هو الإنسان.
في حكمته أو ضعفه.
هنا أو هناك.
لا فرق.
فعُدت عن الإبتسام، وتفكرت.
بعض السيدات السعوديات، تفتقت قريحتهن.
أردن أن يأخذن موقفاً من الحركة المدنية الناشطة الداعية إلى منح المرأة السعودية بعضاً (وليس الكل) من الحقوق التي تتمتع بها نظيراتها من النساء العربيات. فخرجن علينا بحملة عنوانها "ولي أمري أدرى بأمري".
فتحولت حملتهن إلى مادةٍ للتندر.
هل نلومهن؟ كل ما أرادوه هو أن يكّحلوا واقعا، لا يعرفوه، فزادوه عمى.
وفي الواقع سيكون غريبا أن نتوقع منهن امراً لا يفهموه. ففاقد الشيء لا يعطيه، كما تعرفون.
معظمهن ينتمين إلى الطبقة الإرستقراطية السعودية.
ورئيستهن أميرة.
اياديهن مخملية. ويعشن في القصور والفيلات. فهل نلومهن إن جهلن واقع المرأة السعودية؟
سيدات الحملة خفِن على نساء المملكة. خفِن على النساء من النساء.
من ناشطات سعوديات، يعشن يوميا واقع المرأة في شرق المملكة وغربها، في شمالها وجنوبها. يعرفن كيف تعاني، يعرفن كيف تعيش مذلة يومية.
لسن اميرات. لحسن الحظ.
ويؤمن أنه من حقهن أن يعاملن كإنسان بالغ راشد.
إنسان.
ليست طفلة المرأة.
ليست قاصر المرأة.
وليست عاراً نغطيه.
ناشطات تعبن من واقع المعاناة والمذلة اليومية.
فطالبن بإلغاء مبدأ الوصاية على المرأة السعودية.
لم يستغربن أن بلدهن هو البلد المسلم الوحيد الذي يمنع المرأة من قيادة السيارة. الا يبدو غريبا ً ان تنفرد السعودية بهذا المذهب الغريب؟ لكنه كان دوما غريبا.
لم يتساءلن لم ينفرد وطنهن بين البلدان الإسلامية، بأن زاد الخناق على المرأة فيه ألف ضعف، فأصبحت المسكينة لا تتحرك دون إذن من ذكر، لا يميزه سوى عضوه الذكري.
فأصبحنا نرى إمرأة في العشرين، ينهرها اخاها إبن العاشرة.
ولي أمري أدرى بأمرها؟
بالله عليكن؟
لم يستغربن أن المرأة في بلدهن لا تستطيع ان تتحرك شبراً دون إذن من وليها. لا يحق لها أن تخرج من بيتها، أن تدرس، ان تذهب إلى المستوصف... دون إذن من ولي أمرها.
وولي أمرها هو أبوها أو اخوها أو أي ذكر في عائلتها حتى تتزوج. ثم يصبح ولي أمرها زوجها حتى يموت أو تموت. يزوجها وهي في العاشرة، يضربها، أو يعنفها، أو... يُحسن معاملتها. هي وحظها.
كالبطيخة، قد تكون ناضجة حمراء تنز حلاوة، أو تعثر، فتكون مُرة، حامضة، مقيتة كالقطران.
يعشن اميرات. والقيود التي تخنق المرأة العادية كل يوم، لا تطبق عليهن.
هل واجهن يوماً رجلاً من هيئةِ كتم أنفاس الخلق؟ لو وقع نظر رجل من الهيئة علي واحدة منهن، لتوارى خوفاً.
فالدين كما تطبقه الهيئة لا يعترف إلا بالقوة. قوة ولي الأمر.
أين من رجالها والدين؟
ولي أمري أدرى بأمري؟
بالله عليكن؟
لم يستغربن. لم يتساءلن.
بل إنزعجن، بسذاجة يحُسدن عليها، تذكرنا بسذاجة ماري إنطوانيت، من مطالب من أحترقت ايديهن بنار الواقع اليومي للمرأة السعودية.
فبعثن برسالة إلى العاهل السعودي، يدعونه إلى الثبات على الظلم.
"من قال إننا في حاجة إلى حقوق؟"
"لا نريد حقوقاً تتنافي مع عاداتنا!"
"كف أيديهن عنا!"
"أقطع السنتهن!"
"ثم أخرس أصواتهن!"
"دعنا كما نحن!"
"كائن في درجة أقرب إلى الحيوان! (مع إحترامي للحيوان)"
والمدهش، أني لم أندهش. لم أندهش من الحملة.
اتعرفن لماذا؟
لأن تاريخ الحركات النسائية المطالبة بحقوق المرأة في كل أرجاء العالم، كان مليئا بحملات شبيهة بحملة "الرجل أدرى بأمري" هذه.
مقابل كل إمرأة ناشطة طالبت بحقوقها، وقفت اكثر من إمرأة تلعنها، بإسم العادات، بإسم التقاليد، وبإسم الدين (أيا كان هذا الدين)، وتُعيب عليها سعيها إلى التغيير.
ليست غريبة هذه الحملة.
تشبه حملة أخرى قامت بها نساء سويسريات في العشرينات ثم في الخمسينات والستينات ضد االمطالبات بحق المرأة في التصويت. هن أيضا لجأن إلى الدين والعادات والتقاليد كذريعة تقف أمام التطور.
حتى في هذه لسنا فريدين.
فالإنسان كما قلت من قبل هو الإنسان.
في حكمته، وقوته.
وفي ضعفه وسذاجته.
هنا أو هناك.
لافرق.
لكن ولي أمري، ليس أدرى بأمري.
فأنا الأحق بشأني.
والأدرى بأمري
حتى وأنا أحني رأسي إجلالاً لأبي.
وصاحبات الحملة يصررن على البقاء قاصرات.
ذاك شأنهن.
لكن من قال إنهن يتحدثن بإسم المرأة السعودية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق