الثلاثاء، 3 أبريل 2012

نصوصنا السماوية نحترمها... لكنها بشرية 4

هل يجب أن أقولها لكما صراحة؟
أن أجهر بها علانية.
حسناً.
سأقولها لكما. كما هي. ولعلكما ستبتسمان في سركما. فما أكثر ما كتمناه في أنفسنا، نعرفه، لكننا نخشى أن نقر به، حتى في حنايا الروح.
أنا أخاف.
نعم.
أخاف.
كلما أردت أن اكتب لكما عن الطبيعة البشرية للنص القرآني، تجداني أتراجع. وأخاف.
والخوف منطقي. أليس كذلك؟
كيف لا أخاف، وكل من حاول التعرض إلى هذه الموضوع مهدد بالتكفير والقتل؟
لكن الحديث عنه اصبح ضرورياً. لامجال للالتفاف على الموضوع.
أتعرفان لماذا؟
لأننا لا زلنا نطرح نفس الأسئلة التي طرحها أجدادنا قبل اكثر من قرن ونصف. نفس الأسئلة. كما هي، بلا تغيير. كأننا فقدنا المقدرة على التفكير والتجديد.
نطرح نفس الأسئلة عن الدولة، عن الشريعة، عن المرأة، عن المواطنة وعن الحياة: "هل يمكننا أن نفصل بين الدين والدولة؟ ما موقع الشريعة من أحكام الدولة الجديدة؟ هل يصح للمرأة ان تتولى دوراً قيادياً؟ (في أي عصر نحيا؟)، هل يمكن لغير المسلم أن يتولى منصب الرئيس؟ ثم هل تتماشى حقوق الإنسان مع الفكر الإسلامي؟ وماذا عن الزواج بأربعة نساء؟ ثم ماذا عن التسري بالجواري؟" لم أنس حديث السلفي التونسي بعد! فلا تلوماني.
نفس الأسئلة نكررها، نبحث عن أجوبة لها، ثم ننسى، ونعيد السؤال من جديد، ونلهث ونحن نعيد، كأننا مصابون بفقدان ذاكرة، يجعلنا لا نعي أننا ندور في حلقة مفرغة، ندور حول أنفسنا.
كأننا رسمنا دائرة ودخلنا فيها، وقلنا لأنفسنا، لا يصح التفكير خارج هذه الدائرة.
الدائرة أسمها القرآن الكريم. فالقرآن الكريم هو كنيستنا. هو كنيستنا. جعلناه رديفاً لله سبحانه وتعالى. إذا شككنا في نصوصه، اصبح إيماننا مطعوناً. أصبحنا كفره.
شببنا وكبرنا على رؤية تقول لنا، إن القرآن هو كلام الله، حرفياً، أنطق به رسوله الكريم، الذي دونه كما هو. بدون تغيير، بدون تبديل. ولذلك تصر هذه الرؤية كلما قرآنا القرآن، أن تبدأ بعبارة "قال الله تعالى".
ومتى ما بدأناها بهذه العبارة أصبح من الصعب علينا أن ننتقد؛ أن نستغل ملكة العقل التي يفترض أنها تميز الإنسان، تجعله يفكر، يتساءل، ثم يطرح السؤال "هل يصلح هذا الحديث ليومنا هذا"؟
-----
نحن ندور في حلقة مفرغة فعلاً. فالتجديد في الدولة والمجتمع يتطلب إصلاحاً سياسياً وفكرياً، وقبله إصلاحاً دينياً.
والإصلاح الديني الذي اعنيه لا يقبل بعبارة "المشكلة في الإسلام هم المسلمون أنفسهم، الذين لم يفهموا دينهم" أو "المشكلة في الإسلام هم المفسرون الذين لم يعرفوا كيف يفسرون القرآن".
لا. لم يعد هذا الحديث مقنعاً. فلنخرج معاً من هذه الدائرة المغلقة للتفكير.
دعوني أقولها لكما بوضوح، مشكلة ديننا الإسلامي الحنيف يتعلق بالنص الديني نفسه.
المشكلة في النص.
وفي إصرارنا على أن هذا النص هو كلام الله المنطوق. وليس نصاً نطق به الرسول الكريم على مدى عشرين عاماً، في سجاله مع محيطه ومن حوله.
ولأننا نصر على ذلك اصبح من الصعب علينا أن ننتقد النص الديني. والنقد ضروري، لا مفر منه.
هذه هي مشكلتنا.
نحن نصر على أن كل الكتب السماوية الدينية الأخرى محرفة، حرفها البشر، الكهنة والقساوسة. إلا كتابنا نحن. وخرجنا على أنفسنا بنظرية أن الله عز وجل حفظ القرآن الكريم من التحريف. وعندما نطرح السؤال، ولماذا لا يجرى على القرآن ما جرى على الكتب الدينية الأخرى، يأتي الرد، لأن هناك نصاً في القرآن يقول ذلك! كأن وجود هذا النص هو دليل على مصداقية هذه الفرضية؟ كيف تثبت النص بالنص نفسه؟
وأنا أتساءل، لماذا نستثني القرآن من بشرية نصوصه؟ الدراسة التاريخية للكتب السماوية الأخرى اظهرت ان من كتبها بشر. لم يقلل هذا من قيمتها الدينية، لكنه مكنها من فصل الدين عن الدولة، والبحث عن حلول عصرية لواقعها.
نفس الشيء يمكننا أن نقوله عن القرآن الكريم. نطق به بشر، وكتبه بشر، ولن يضيرنا كثيرا لو أقررنا بذلك.
لو فعلنا ذلك سنستريح ونريح. وسنبدأ فعلاً في مرحلة الإصلاح الديني. سنبحث عن حلول لواقعنا بعيداً عن قال النص كذا وكذا. بل لنقل نحن، ولنتحمل مسؤولية مصيرنا.
حينها فقط سنتمكن من الإصلاح الديني الجذري، لأننا سنتمكن من قراءة نصوص القرآن دون هالة التقديس التي تمنعنا من نقدها.
سُتمكننا مثلاً من القول إن عبارة "وما ملكت أيمانكم" التي وردت في النص القرآني مرتبطة بتاريخها. تاريخ القرن السابع الميلادي الذي كان لا يجد غضاضة في تملك الجواري والعبيد.
لكني مع احترامي لتاريخية هذا النص، لن اقبل به كمرجع ينظم حياتي ويحمي كرامة الإنسان وحقوقه في زمننا هذا. لن أقبل بالعبودية، لأنها وردت في القرآن الكريم. بل سأرفضها.
ستمكنننا من النظر إلى النصوص التي تدعونا إلى "قتل الكفرة والمشركين" باعتبارها نصوصا متعلقة بمرحلة تاريخية مختلفة. لكنها بالتأكيد لا تصلح أساساً ينظم مفاهيم المواطنة في دولة حديثة.
----
سر معروف مكنونه، لكننا لا نريد أن نراه. ولذلك ظل السر مكشوفاً، لكننا نحن من يغطيه بعقولنا.
القرآن الكريم تراثي الديني. احترمه، وأجله، لكني لا أقدسه.
فالتقديس يعني أن أخذ بكل ما فيه دون تفكير، دون تمحيص، ودون نقد. والنقد، أكرر، ضروري، لا مفر منه.
لا أقدسه، كما تقدسه المؤسسة الدينية. تعتبره صنماً، وتعبده، ثم تحله محل الله، وتقول هو الله. ومن قال غير ذلك فقد كفر. وتنسى في الوقت نفسه أن تعبد الله بدلاً منه. تنسى أن تبحث عنه في النور من حولها.
لكننا رضعناه خوفاً. تعلمناه منذ طفولتنا، أنا وأنتِ وأنتَ، أن الإيمان يجب أن يكون كما يقولون. ومن خرج عن هذا الرأي اصبح كافراً.
اليوم أخرج عن هذا الرأي. رغم خوفي. ومع خروجي عنه أمزق معه هذه الشرنقة.
وأقول لكما، إنه بالإمكان أن يكون الإنسان مسلماً ويقول ببشرية القرآن الكريم.
هذا ممكن.
أكررها. يمكننا أن نكون مسلمين ونقول ببشرية القرآن الكريم. ثم نخرج عن إطاره في حياتنا.
فالمسألة ليست كما تصورها لنا المؤسسة الدينية: "إما أن يكون الإيمان كما تقول أو لا نؤمن".
أنا مؤمنة، لكني لا أؤمن كما يؤمنون.
تماماً كما أني لم أخرج من دائرة الإيمان.
لأن إيماني بالله عز وجل لا يعتمد على كتاب ديني، أياً كان هذا الكتاب.
أكررها لكما: إيماني بالرحمن عز وجل لا يعتمد على كتاب ديني.
والغريب، أني يوم وصلت إلى هذه القناعة زاد إيماني أكثر.
أصبحت استشعر الرحمن روحانيةً في الكون بأسره، في الطفل وهو يبتسم، في الزهرة وهي تتفتح، في النسمة وهي تلحف وجهي، وفي الإنسان والخير الذي فيه.
نعم، في النور وضياءه.
استشعر هذه الروحانية وأعيشها بكل جوارحي.
ربما لذلك بدأ ذلك الخوف الذي الجمني كثيراً يتلاشى.
يتلاشى تدريجيا، كالظلام يتبدد أمام ضياء الفجر.
فلا تكفراني.
بل تدبرا فيما قلته.
ثم إبحثا بنفسيكما عن رد لهذا السؤال: لمَ نستثني القرآن من بشرية نصوصه؟ وحبذا لو بحثتما عن الرد من خارج إطار القرآن الكريم.
موعدنا الأسبوع القادم.
إلهام مانع

هناك 9 تعليقات:

  1. للإجابة على اشكالك على تحريف القرآن من غير الكتب السماوية أقول:
    1_ القرآن هو آخر الكتب السماوية
    2_ القرآن ورد متواترا حاى عن العام وخصوصا العامة فلم يكن مقتصرا على الشيوخ حتى الضعاف ورد عنهم وطبعا ببعض الزيادة والنقصان لأنهم مثلك أو ملاحدة أو أو أو ......
    وأما عن الثقات فهم كثيرون بمئات المئات
    والقرآن جمع في عهد الرسول ص

    ردحذف
  2. أما عن الرق فأقول :
    الرق لا يكون إلا في الفتوحات ( الجهاد )( انظري كتاب ( اقتصادنا ) للسيد محمد باقر الصدر ) ويكون بأمر ولي الأمر ( الأمام أو النبي ) والامام غائب أي هويته غائبة
    وان سألتني عن عمره سأقول : لقد اكتشف كائن لا يهرم ولا يموت أبدا واسمه Turritopsis nutricula
    المشكلة انكي تعممين آراء فرقة واحدة على جميع الفرق و كل الاسلام وتهملين الشيعة

    ردحذف
  3. تقولين
    اليوم أخرج عن هذا الرأي. رغم خوفي. ومع خروجي عنه أمزق معه هذه الشرنقة.
    وأقول لكما، إنه بالإمكان أن يكون الإنسان مسلماً ويقول ببشرية القرآن الكريم.
    وأنا أقول
    الأمر بسيط جداً أوجه دعوة ليس لك فقط وإنما لكل من تعرفيينم من جهابذة العلماء والمفكرين والمبدعين و..... بل إلى الجن أيضا ( لو فرضنا أنك تصدقين بوجود الجن )أن تضعوا لنا مثل القرآن بل مثل عشر سور بل مثل سورة واحدة فقط....... فهل تقبلين التحدي سوف أنتظر وليس أنا فقط بل أبنائي وأحفادي وأحفاد أحفادي وأحفادهم إلى ماشاء الله .
    ولن أكذب وأقول أن هذا التحدى من عندى بل هو من عند الله سبحانه وتعالى منذ أكثر من 1400 عام
    ولو كانت هذه الكلمة تغضبك فأقول أن هذا التحدى موجود فى الكتاب الذى وصلنا عن طريق رسول الله ( هذا لو فرضنا بقبولك لكلمة رسول أصلا وهذا ما أشك فيه )

    ردحذف
  4. أحيكي على شجاعتك و اعتقد ان هناك العديد من الاشخاص الذين يفكرون في نفس الأفكار و لكن يفتقدون الشجاعة الكافية للبوح

    ردحذف
  5. ككل المقالات التي قرأتها في الموضوع كلام يسئ للعقل البشري مع الادعاء بأنه يمجده
    لم أجد ما يستحق التعليق عليه سوى هذه النقطة

    ردحذف
  6. Vielen Dank .. Und ich hoffe, Sie Mved Entwicklung und Schreiben von verschiedenen Themen :)

    ردحذف
  7. بعض التعليقات سخيفة لا داعي لها فاذا لم يعجبك المقال لماذا لا تسكت واذا اردت النقض فلماذا لا تنتقض بموضوعية بحدود الافكار المطروحة في المقال بدل ترديد كلام ببغائي من الموروث التراثي ، التدين الاعمى يعني لا عقل ولا داعي للنقاش ، اذهب واقراء التراث ومعيدي التراث حتى تشبع ولا تشغل عقلك الضعيف حتى لا تتعبه ، الدين موروث تطور مع الزمن مثله مثل كل شيء في هذه الحياة ومن اخترعه وطوره هم البشر ولا غيرهم ، الدين صنيعة الجهل بحقيقة الحياة والكون ولذلك تجد العلوم تتصادم مع كل الاديان ومن يدعي عكس ذلك هو موهوم وغير مضطلع أما من يدعي أو يصدق الاعجاز العلمي في الاديان فلا داعي لان يقراء هذه الصفحة اساسا.

    ردحذف
  8. انا طبعا مقتنع ببشرية القران وان محمد مؤلفه الامر مفروغ منه.وحتى لو كان القران كلام الله الاسلامي.فلا يستطيع المسلمين اتباعه لانه محرف بدا بضياع الكثير من القران وايات التي اكله الداجن الى احراق عثمان بن عفان المصاحف الستة ومروراا بتنقيط وتشكيل القران بعد مقتل محمد بالسم وهذا من اعظم الامورعلى التحريف والمعروف ان القران لم يكن مشكل ولا منقط وكلنا نعرف ان اللغة العربية قائمة على هذان الامران والذي تحاول المؤسسات الدينية اخفائه عن عامة الناس على اية حال الاسلام قائم على القران والقران ملئ بالاخطاء العلمية واللغوية و الحسابية ....الخ .ومتناقض الايات مع بعضها فهو ليس من عن الله فمستحيل ان يكون الله الاسلامي هو خالق الكون هذا الكون البديع الرائع العظيم الجميل .الدين عبارة عن وراثة و تقليد اعمى"الحمد لله على نعمة العقل" صحيح العقل زينة .وشكراا

    ردحذف