الخميس، 6 مايو 2010

قانون مدني علماني عادل 8

قلت لكما في المقال السابق ان قوانين الشريعة ليست عادلة.
لكني أكدت في الوقت ذاته أن قولي هذا لا يعني أني أتحدث من خارج دائرة الإسلام، بل اتحدث من داخلها.
وقلت لكما أيضاً اني لا أريد أن اتحدث بصفة العموم، تلك التي يتقن صناعتها أتباع حزب الأخوان المسلمين، واقرانهم من السلفيين أو المتحزبين بإسم الله.
وأفضل لذلك أن اقدم لكما مثالاً واضحاً محدداً، وأن اقارن، بين قانون الأسرة السويسري لعام 1988 وقوانين الشريعة الإسلامية الخاصة بالعلاقة بين الرجل والمرأة داخل العائلة.
أقارن بينهما لأني اتعامل مع قوانين الشريعة الإسلامية على أنها منظومة قانونية... إنسانية.
منظومة قانونية وضعها بشر.
وفقاً لهذه الرؤية فإن الشريعة الإسلامية عبارة عن قوانين، مجرد قوانين، صاغها علمائنا الأفاضل على مدى القرون الماضية لتنظيم شؤون المجتمع الذي كانوا يخاطبونه. وكما أن المجتمعات والعادات والتقاليد تتغير مع تغير الزمن، كذلك يتوجب تغيير القوانين بما يتماشى مع العصر الذي ينظمونه. الشريعة ليست إستنثاءا.
ورغم أن احد مصادر الشريعة الإسلامية هو القرآن الكريم فإنها تظل إنسانية. نضم قوانينها بشر.
لا اضفي صفة القداسة على الشريعة الإسلامية. لأنها ببساطة ليست مقدسة.
فكر الإسلام السياسي هو الذي اضفى هذه القداسة على الشريعة الإسلامية، هو الذي ظل يتحدث عن الشريعة كما لو كان تطبيقها سيخرجنا من كل المأزق السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تمر بها مجتمعاتنا. وكل ما نجح فيه هو إعادتنا قروناً إلى الوراء.
أصبح من مطالبهم اليوم إغتصاب الطفلة بإسم الشريعة. ويتعمدون إستخدام الشريعة كبديل لإسم الله. بإسم الله نغتصب الإطفال؟ أي عار هذا يارحمن.
أخر مثال على ذلك الحملة التي يشنها شيخنا الزنداني ضد قانون يمنع زواج الطفلات في اليمن. يريد للطفلات، بنت الثامنة، بنت التاسعة، بنت العاشرة، ان يغتصبن.
لا يريدهن طفلات. يأبي عليهن ان يعشن طفولتهن، أن يلعبن، أن يتعلمن، وأن يكن.
يريدهن دمى، يستغلهن جنسياً، كأنهن اشياء، لا روح لهن، لا إحساس.
أشياء يضاجعها ولا يخجل.
أين الحياء ياشيخنا؟
فكر الإسلام السياسي هو الذي اضفى صفة القداسة على الشريعة، يشبع بها خيالاته المريضة، ويستخدمها في الوقت ذاته كشماعة لتحقيق مأربه السياسي، كي يحوز على السلطة والقوة.
ولنا في شيخنا مثالاً. فهو يهدد الحكومة اليمنية بمسيرة مليونية إذا صدر قانون يمنع زواج الطفلات، ويلمح لها في الوقت ذاته "حذار من الإقتراب من تيارنا الديني الداعم للفكر الجهادي".
لا تنسيا إسم الجهاد الحقيقي، إسمه إرهاب.
---
ماعلينا.
لنبدأ إذن هذه المقارنة.
سأستخدم ثلاثة محاور للمقارنة: الزواج، الطلاق، ثم الإرث. وسأركز في هذا المقال على القانون السويسري، على أن اعود إلى قوانين الشريعة الإسلامية في المقال القادم.
قانون الأحوال الشخصية السويسري لا ييستخدم كلمة ذكر او أنثى، رجل أو إمرأة، في بنوده.
لا يستخدمها.
يشير دائما إليهما بصيغة الزوجين، أو طرفي العلاقة.
بكلمات اخرى، هو يستخدم لغة محايدة، لا ترى أن هناك فرقاً بين الذكر والإنثى في الحقوق والواجبات.
لافرق بين الذكر والأنثي في الحقوق والواجبات.
هذا لا يعني انه لا يرى بوجود فروقات بيولوجية بين الذكر والأنثي. هذه الفروقات طبيعية، لكنها لا تعني كما لا تبرر أية تفرقة عنصرية تمييزية بينهما بسبب نوع احدهما.
فكون المرأة خُلقت إمرأة ليس نقصاً في كيانها. ليست أدنى. بل هي إنسان كامل الصفات والخصائص والقدرات. والرجل أيضا مثلها. هو إنسان. كامل الصفات والخصائص والقدرات.
كلاهما إنسان. ولذا هما متساويان.
بكلمات اخرى، هو يتعامل مع الرجل والمرأة على أنهما شخصان بالغان عاقلان يتحملان مسؤولية نفسيهما، لا يخضعان لوصاية، ولذلك هما متساويان.
على هذا الأساس يبني القانون بنوده.
ولذلك يمهد لهذة الرؤية في المادة 8، البند الثالث، عندما يقول إن" الرجل والمرأة متساويان، وعلى القانون مسؤولية توفير المساواة القانونية والفعلية لهما...".
ليست مساواة قانونية فقط تلك التي نسعى إليها، بل نريدها أيضا فعلية، ولذا يجب ايضا تطبيقها على ارض الواقع. أمر ادركه القانون السويسري عام 1988.
عندما يتعلق الأمر بالزواج، ينص القانون في المادة 94 "كي يتم الزواج، يتوجب ان يكون العروسين قد أتما السنة الثامنة عشر من عمرهما، وأن يتمتعا بالمقدرة على التمييز".
لا توجد وصاية هنا على العروسين، رجلاً كان او إمرأة. مادام الشخصان، الرجل والمرأة، بالغين، وأختارا الزواج فإنهما قادران على فعل ذلك.
المرأة والرجل وفقا لهذه الرؤية مستقلان لا يحتاجان إلى وصاية أو ولاية. وهما قادران على الأختيار، لأنهما ولدا احرارا.
ولد الإنسان حراً.
وحريته تسلزم حقه في إختيار شريك حياته. رجلاً كان أو إمرأة. دون وصاية. دون قهر.
لكن كي يفعل ذلك، عليه أن يكون بالغاً.
الأطفال لا يتزوجون. الأطفال يلعبون.
هكذا يفكر اصحاب العقول.
ونحن لنا عقول.
حبذا لو إستخدمناها.
----
على صعيد اخر، لا يضع القانون السويسري معوقات امام زواج الأفراد بسبب إختلاف الدين. في الواقع لايضع القانون السويسري أية معوقات امام زواج شخصين مادام الإثنان غير متزوجين، ولا تجمع بينهما صلة قرابة عائلية.
من حق المسيحية ان تتزوج من المسلم، أو من البوذي او اليهودي او الملحد. والعكس صحيح.
مادام إلإثنان ينتميان إلى النوع البشري، يمكنهما الزواج.
إختلاف الدين ليس سبباً لمنع الزواج.
هذه الرؤية اخذت وقتها حتى قَبل بها المجتمع السويسري.
ففي الماضي، تماما كما اليوم لدينا، كان من الصعب على فتاة تنتمي إلى الديانة الكاثوليكية المسيحية الزواج من شاب مسيحي بروتستانتي، ناهيك إذا كان ينتمي إلى ديانة اخرى. المجتمع نفسه كان يرفض ذلك.
لكن المجتمعات تتطور، ولذا عكس القانون السويسري في عام 1988 هذا التطور في الرؤية:
"مادام الإثنان ينتميان إلى النوع البشري، يمكنهما الزواج".
والمسألة لدينا ستأخذ ايضاً وقتها.
لكنها ستتغير.
سيأتي يوم يمكن فيه للمسلمة ان تتزوج من اي رجل كان، إذا ارادت، إذا رغبت، طالما ينتمي إلى النوع البشري.
لأن المجتمعات تتطور.
ونحن شعوب قادرة على التطور.
----
في حالة الطلاق لا يفضل القانون الرجل على المرأة، أو العكس، بل يلتزم بوعده: كلاهما متساويان. ولذلك كي يتم الطلاق يجب ان تنظر فيه محكمة. الطلاق هنا ليس حقاً للرجل. ليس لعنة أو سلاح يسلطها على المرأة كي يروعها.
الطلاق هو "حل"، "حل مر"، "حل مؤلم"، يلجأ إليه الطرفان إذا لم يتمكنا من الحياة معاً كزوجين.
وهنا يوجد نوعان من الطلاق: النوع الأول هو الذي يمكن البت فيه سريعاً إذا اتفق الزوجان على الطلاق.
مادام قرر الزوجان ان إستمرار الحياة الزوجية مستحيل، فإن المحكمة ستحترم قرارهما وتصدر قرار الطلاق. هما بالغان. عاقلان. كلاهما إنسان. وإذا إتفقا على الإفتراق فإن من واجب القانون ان يحترم هذا القرار .
لكن إذا رفض احدهما الطلاق، رجلاً كان أو إمرأة، فإن المحكمة هنا ستصدر حكم الطلاق بعد فترة إنفصال بين الطرفين مدتها عامين، أو إذا تقدم احدهما بطلب يؤكد فيه إستحالة الحياة الزوجية لعدم إتفاق الشركين. الإفتراق ممكن إذا تعسف احدهما، رجلاً كان أو إمرأة، لكن له شروط، يمكن الإيفاء بها.
---
ما الذي يحدث بعد الطلاق؟ ماهي الحقوق المالية للطرفين؟
كل ما بناه الزوجان وجمعاه معاً في فترة حياتهما الزوجية يتم إقتسامه بينهما بالمساواة، حتى لو كان أحد طرفي العلاقة لايعمل.
بالمساواة.
فالحياة الزوجية هي تعاون مشترك بين طرفين، وبقاء احدهما في المنزل لرعاية الأطفال، هو أيضاً عمل. وعمل مهم.
ولذلك الثروة التي جمعاها، أو البيت الذي بنياه، او، أو، يتم إقتسامهما بينهما.
بالمساواة.
مبدأ عادل.
إذا كان هناك اطفال فإن الوصاية يمكن ان يتمتع بها الأب والأم معاً، بالمناصفة.
لكن القانون يحبذ بقاء الأطفال لدى الأم. رؤية عادلة تتحيز لإحتياجات الطفل.
وفي كل الأحوال فإن الوصي على الأطفال، أي الأب أو الأم، أو الأثنان معاً، يتمتع بحق تولي الشؤون القانونية للطفل وتمثيله. لا فرق هنا بين رجل وإمرأة.
والمحك في كل هذا هو مصلحة الطفل. كل ما يصب في مصلحة الطفل سيكون المعيار الذي تستخدمه المحكمة كي تصدر قرارها. هكذا ينص القانون. هكذا يُطبّق القانون.
وبنفس النسق، فإن الشخص الذي يعمل في العلاقة الزوجية هو الذي يتوجب عليه أن يدفع مبلغاً شهرياً لإعالة أطفاله.
اقول الشخص، لأن هذا يعني أنه إذا كان الرجل لا يعمل والزوجة تعمل فهي التي ستدفع المبلغ.
هنا لا يميز القانون فعلا بين الرجل والمرأة، كما لا يتعامل مع المرأة على أنها كائن ضعيف. في الواقع، هي كائن قوي، قادرة على الإعتماد على نفسها، وعلى إعالة نفسها وغيرها.
من جديد، هذه الرؤية في القانون السويسري تعكس التغير الذي حدث في المجتمع، وتغير رؤيته للمرأة. ليست كائناً ضعيفاً مسكينا. بل إنسان. إنسان بالغ راشد قادر على الإعتماد على نفسه.
----
ماذا عن الإرث؟
ماذا يحدث إذا مات أحد الزوجين؟
القانون هنا يعتبر ان لأسرة المتوفي المباشرة الحق في الإرث.
هذا يعني، أن الزوجة (أو الزوج إذا كانت المتوفية هي الزوجة) تحصل على نصف الأرث. والنصف الثاني من الإرث يتم إقتسامه بين الأطفال بالمساواة، دون تمييز بسبب النوع.
لافرق بين ذكر أو إنثى في الإرث.
كلاهما يحصلان على حصة متساوية.
في حالة لم يكن للزوجين أطفال، فإن طرف العلاقة المتبقي على قيد الحياة يحصل على ثلاثة ارباع الإرث، والربع الأخير لوالدي المتوفي.
إذا كان والدي المتوفي متوفيان هما ايضاً، فإن طرف العلاقة المتبقي على قيد الحياة يحصل على كل الإرث.
القانون يحمي أيضاً اطفال المتوفي (او المتوفية) وشريكته (شريكها) في الحياة. بكلمات اخرى، حتى لو كتب المتوفي وصية يحرم فيها أطفاله أو شريك حياته من إرثه، أو يميز بين احدهم، فإن القانون لا يقبل بمثل هذه الوصية.
حق هؤلاء في إرث الشخص، ذكر كان أو أنثى، مصون.
مبدأ عادل. لا يقبل التعسف او التمييز في الحقوق.
---
القانون السويسري ببساطة لا يميز بين الرجل والمرأة في العلاقات الأسرية. لا يتحيز لطرف ضد أخر. يتعامل معهما على أنهما بالغان راشدان متساويان.
هو قانون مدني إنساني عادل.
قانون عادل.
"هذا كل ما نطالب به. ان تكون قوانينا عادلة".
وهذه الرؤية لم تأت بين ليلة وضحاها. فكما قلت لكما هذا القانون صدر عام 1988. قبل ذلك كان القانون السويسري يميز ضد المرأة، ويعتبر الرجل وصياً على المرأة. قبل ذلك كان المجتمع يتعامل من منظور ابوي ذكوري مع المرأة. حتى في هذه كلنا بشر.
لكن لأن المجتمع تغير، فإنه أدرك ان التمييز ظلم يقع على المرأة، وان هذا الظلم إنتهاك لأدميتها وحقوقها الإنسانية، ولذا تغير القانون ليعكس التطور الذي حدث، وليعبر عن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.
مبدأ إنساني. مبدأ عالمي.
ولد الإنسان حراً.
رجلاً كان أو إمرأة.
وحريتهما تستلزم تمتعهما بالأرادة.
دون وصاية.
حريتهما تسلتزم ايضاً مساواتهما.
-----
هذه الرؤية، التي تحترم الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، وتتعامل معه على أنه بالغ راشد عاقل، لا يحتاج إلى وصاية، غائبة في قوانين الشريعة الإسلامية.
أعود إليها بالتفصيل في المقال القادم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق