أمة ٌ تكره؟
لا تؤمن بالإنسان.
لا تؤمن بالحرية.
و لا تحب.
تكره.
ثم تدعو إلى القتل.
لمَ لا تحُب؟
وإلى أن يأتي يوما تقدرُ فيه على الحب، أهديكما زهرة... بدلا من رصاصة.
---
الكراهية هي عنوان قراءة الإسلام السياسي لتاريخ بلداننا العربية.
كراهية.
وعمياء.
لاتهتم كثيراً بحقائق التاريخ. في الواقع لا ترى داعياً للعودة إلى التاريخ. بل تختلقه إختلاقا، ثم تقدمه لكما، على ورق سوليفان، في طبق فضة، وتؤكد لكما أن التاريخ كان دوماً هكذا. وعليكما، عزيزي الشاب، عزيزتي الشابة، عليكما أن تصدقاه، شئتما أم ابيتما. وإذا ترددتما، إذا قررتما أن تستخدما خلايا عقلكما كما اراد الله لها ان تُستخدم، اعني في التفكير، تصبحان تلقائيا... ملعونان.
فمن لا يصدق الداعين إلى الإسلام السياسي يصبح مكروهاً.
فلا تصدقا.
والأمة هي من جديد المحور لهذه القراءة للتاريخ. يصر عليها فرحين مروجو فكر الإسلام السياسي، وشيوخ بلحيات حمراء، بيضاء، او سوداء، لايهم.
تماماً كما لن يهم كثيراً إذا كانوا سلفيين أو من المتحزبين لله، فالإثنان يتفقان على تقسيم العالم إلى دارين، دار حرب ودار سلام. يقف فيها العالم منقسماً إلى معسكرين: أمة إسلامية، واعداء هذه الأمة.
الأولى ضحية تدافع عن نفسها، والثانية عدوة تكره هذه الأمة.
لكن الطريف، أنهما حتى وهما يروجان لمفهوم الأمة، سيختلفان على طبيعتها.
السلفيون سيقولون إنها إمة سنية، وحبذا لو كانت حنبلية، والأخوان سيطبلون من بعدهم، وعلى رأسهم شيخهم القرضاوي. وشيخ المتحزبين لله، سيرى أنها أمة إسلامية، وسيغض الطرف عن "الإنقسام الطائفي"، لأن "المعركة اكبر من هذه الإنقسامات"، وإن كان لن يمانع كثيراً لو اضفي عليها مسحة "شيعية".
لكن الإثنان سيتفقان على ان "الكافرين" "يستهدفون الأمة الإسلامية"، وأنهم (أي الكافرين)"جندوا لذلك جنوداً متعددة وأجندة متنوعة"، وسعوا بكل ما يستطيعون من قوة إلى أن "يجعلوا المسلمين أقساما متفرقة، وأصنافاً متناحرة، وألواناً متباينة، مستهدفين من خلال ذلك المتمسكين بدينهم".
التاريخ وفقا لهذه الرؤية صيرورة... سلسلة لا تنقطع من الأزمات تعاني منها الأمة.
والأمة دوما ضحية، يستهدفها الأغراب، مسكينة، عانت ولازالت تعاني، من حقد الغريب، كراهيته، ذاك الذي يسعي إلى تدميرها وسحقها سحقاً.
كأن العالم لم يجد غيرننا ليكرهه.
ونحن؟
لا علاقة لنا بالتاريخ. لسنا مسؤولين. كأننا غرباء عن صناعة التاريخ.
وسيقولون أن كل ما نحاول فعله أمس واليوم وغداً لا يزيد عن "الدفاع عن أنفسنا". ولذا "من حقنا أن نقتل ذلك الغريب".
فإنتبها لقراءة الإسلام السياسي للتاريخ. لأنه في الواقع يدفعكما دفعاً إلى القتل، يحولكما إلى مجرمين، بدعوى الدفاع عن "فكرة" إختلقها ثم صدقها.
----
ثم يصرون على أننا أخوه، وينسون وجود الأخوات.
وهذه فاصلة.
ثم يؤكدون على أن الأخوة التي تجمعنا لها لون واحد لا غير.
إما سني حنبلي، او أخواني مسلم، أو شيعي متحزب.
لا يؤمنون بالتعددية، بل يرفضونها رفضاً، ويعتبرون أن تنوع المجتمعات العربية، بين مذاهب واديان وأعراق ولغات مختلفة، أمر مشين، أمر سيء.
و لذلك يكرهون الديمقراطية.
أفضل نظام سياسي وصلت إليها البشرية، يعتبروه بدعة كافرة.
ولو قبلوه فبشروط. وشروطهم تنسف مفهوم الديقراطية من اساسه.
ما يريدونه هو حكم ديني مستبد. حكم بشر، يستخدم الدين كغطاء وذريعة.
لا يحميكَ ولا يحميكِ.
بل ينتهك آدميتكما.
كل ما عليكما فعله هو أن تنظرا إلى نماذج الحكم الديني التي جربناها في تاريخنا الحديث:
طالبان في أفغانستان، حكم المؤسسة الدينية في السعودية وإيران، حكم الشباب المسلم في الصومال، هذا عدا عن الحكم الديني في السودان منذ عهد النميري،
وستدركان أنها والحرية على طرفي نقيض.
الحرية لا مكان لها في رؤية الإسلام السياسي.
حرية الإنسان.
في أن يكون كما يشاء.
----
والتعدد يُعتبر هو الآخر خطيئة.
ومن كان مختلفا، هكذا يرون، يصبح عدواً للأمة.
ولذلك عندما يقرأون التاريخ يحولونه إلى قصة لا علاقة لها بالتاريخ.
سيقولون لكما ان الإسلام كان دائماً واحداً.
رغم أن الأسلام كان دائما متعددا:
متعدداً في المذاهب والفرق: بين سني وشيعي وصوفي، وزيدي وعلوي ودرزي. هذا عدا ان مجتمعاته كانت دائما متعددة في الأديان واللغات والأعراق. أين مكان المسيحية واليهودية و الصابئة والأكراد والأمازيغ من هذه القراءة؟ وفقاً لهذه الرؤية هم ذميون أو فرق ضالة، وكلهم لم يعانوا تمييزاً في مجتمعاتهم، بالعكس، هي تصر على أنهم عاشوا سعيدين راضين مبتهجين في ظل حكم "الدولة الإسلامية". كأن التمييز والتجريح لم يكن، وكأن المذابح التي طالت علويين ومسيحييين ويهود لم تكن. التاريخ كما يقرأوه هنا لا علاقة له بحقائق التاريخ.
ومتعدداًً في العادات والتقاليد: هل لاحظتم الفرق بين إسلام إندونيسيا وإسلام نجد في المملكة السعودية؟
فرق شاسع.
إسلام إندونيسيا، على الأقل قبل أن يمتد إليه مد التأسلم الشعبي والإسلام السياسي، عَكس الطبيعة الأموية الحنونة (من الأم) لمجتمعاته، في حين أن إسلام نجد يُظهر وجهاً قبلياً أبوياً متجهماً، وجهٌ لفحته صحراء قاسية.
فكل مجتمع يتبنى الدين، أيَ دين، ثم يغيره وفقاً لطبيعة الإنسان في هذا المجتمع. ولذا تجدين أيتها العزيزة أن المذهب المالكي السني في الكويت يختلف في مواقفه تجاه المرأة عن المذهب المالكي السني في المغرب. الأول تشّرب بمواقف العشيرة المتشددة من المرأة، والثاني عكس المرونة المنفتحة للمجتمع المغربي المتنوع.
هذه واحده.
----
وسيقولان لكما أن تاريخ الإسلام منذ بداياته أي منذ عهد الرسول الكريم إلى عهد الخليفة الرابع عثمان بن عفان، كان تاريخاً نقياً، واحداً هو الأخر. وسيمرون مرور الكرام على الحروب التي عصفت به، وإذا مروا بها سيفعلون ذلك للتأكيد على أن الصراع كان دائماً بين خيرٍ وشر. وهدفهم في النهاية أن يعودوا بنا إلى ذلك الزمن. يقولون لكما أن هذا الزمن كان نقياً طاهراً، كي يقنعاكما بضرورة العودة بحياتنا إلى تلك الفترة. فلو كان غير ذلك، لأصبح الحديث عن إعادته في زمننا هذا ضرباً من العبث.
وفي الواقع، عزيزي الشاب عزيزتي الشابة، لم يكن ذلك التاريخ نقياً. كما لم يكن واحداً، تماماً كما أن الصراع لم يكن بين خيرٍ وشر.
كان ببساطة تاريخاً إنسانياً.
إنسانياًَ.
عكسته طبيعة الإنسان في تلك الفترة، وطبيعة المرحلة التاريخية التي مر بها.
ولأنه كذلك، تخللته حروب كثيرة، لم يكن الدين فيها إلا هامشاً. في الواقع كانت تلك الحروب قبلية عشائرية، بين بني هاشم وبين بني أمية، بين قريش وبين والأوس والخزرج، وبين هؤلاء وقبائل اليمن.
وكانت الحروب القبلية تهدف إلى حسم أمر واحد فقط، مَنْ مِن هذه القبائل او العشائر سيتحكم في السلطة. الصراع كان على السلطة. لا على الدين. ولذا تقاتلوا وتنازعوا وتناحروا، ولم يمت في فراشه سوى الخليفة أبو بكر الصديق.
الصراع كان دوماَ على السلطة.
اكررها كي ترسخ.
ولذلك ستجدين كما ستجدْ أن ما يسمونه في كتب تاريخنا "حروب الردة"، التي حدثت في عهد الخليفة الصديق، لم يشنها الخليفة لأن القبائل اليمنية رفضت "الإيمان" برسالة الرسول الكريم. في الواقع تلك القبائل قالت إنها مؤمنة برسالة الرسول الكريم. لكنها رفضت "الإعتراف" بسلطة الصديق. وكان هذا حاسماً. ثم اعتبرت ان أبنائها احق بالزكاة التي طالبها بها الخليفة. فحوربت. ولم يكن غريباً ان تجد من رفض هذه الحروب وأعتبرها خطأً. وأول من اعترض عليها هو عمر بن الخطاب.
الصراع إذن كان دوماً على السلطة. والدين كان هامشاًَ. فمن تحاربوا كانوا كلهم يؤمنون برسالة النبي الكريم. فعلام كان القتال إذن؟
ولذا فإن الدعوة إلى العودة إلى عهد السلف الكريم تبدو غريبة حقاً. هل نريد العودة إلى عهد مزقته الحروب والنزاعات؟ ثم إن هذا العهد كان يعكس واقع مجتمع شبه الجزيرة العربية الصحراوي في القرن السابع الميلادي.
واقع كان القتل فيه والغزو وسبي النساء جزءاً من الحياة اليومية.
واقع يرتبط بتاريخه.
هو جزء من تاريخي فلن أنكره.
اتعامل معه من ضمن معطياته.
لا أحكم عليه بمعاييرنا اليوم.
لكني ادين من يدعو إلى العودة إليه اليوم في واقعنا الحالي. فالقتل والغزو وسبي النساء لا محل له اليوم في مجتمعاتنا المدنية الحديثة.
هو إنتهاك لحق الإنسان في الحياة والكرامة والأمان.
لكنهم يسمون "القتل والغزو وسبي النساء" "جهاداً".
و"المجاهد" هنا يدافع عن "الأمة".
فإنتبها لما يطالبانكما به.
وهذه الثانية.
----
الثالثة، ترتبط برؤية الإسلام السياسي للدولة. فهو مقتنع أن الدولة "إسلامية"، و"لا حدود لها". ولو تُرك الأمر له، فإن حدودها هي العالم بأسره. ولذا سيصرخ في وجهكما:" لا تحدثني عن إنتماءك الوطني، حدثني هنا عن إنتماءك الديني! الوطن إنساه. وتذكر أننا مسلمون أولاً، وأخيراً".
الوطن لا يهم كثيرا.
"طز في الوطن"، هكذا قالها مرشد الأخوان في مصر مرة.
فإنتبها لما يقوله.
والأسلام هنا، ذاك الذي يجمع تلك الأمة في كيان واحد، كالعادة، لونه واحد، صوته واحد، ورائحته واحدة.
ياالله يخنقني برائحته.
متطرف، متطرف.
متجهم متجهم.
متعنت متعنت.
معجون بالكراهية.
كراهية الآخر، أياً كان هذا الاخر.
ولذا يكاد يكره نفسه.
وأكاد اجزم أنه لو نزل الرسول الكريم من السماء اليوم، وقال إن الدين كما يفسروه لا علاقة له برسالته، لأعتبروه كافراً.
فأحذرا، وحاذرا، وتمعنا فيما يقولوه لكما.
قراءة الإسلام السياسي للتاريخ تصر على أننا أمة، أمة تحارب.
وترفض أن ترانا كما نحن، متعددين.
وتصر أن لا إرادة للإنسان.
ثم تتعمد قتل حرية هذا الإنسان.
والمحك أنها تؤكد مراراً وتكراراً أن الهوية هي الدين.
لسان حالها: "أنت مسلم أولاً وأخيراً". كررته علينا على مدى العقود الماضية حتى صدقها الكثيرون.
لكن الدين لم يكن يوماً هوية، ايها العزيزان.
الدين لم يكن يوماً هوية.
بل الدين إختيار.
أنا أختار هذا الدين او غيره كي أنظم علاقتي الروحانية مع الخالق. وقد لا اختار أن أدين بأي دين. هي طريقة. ليست هوية.
ولذا لا تسموني مسلمة، فالدين ليس هويتي. بل وسيلتي إلى الخالق.
والهوية معقدة، متشابكة، لكن روحها إنسان.
الهوية إنسان.
إنسان.
إنسان يحب.
لا يكره.
فأبحثا عنه فيكما، وستفهمان.
---
هناك قراءة ثالثة لتاريخ منطقتنا، قراءة إنسانية، أسردها عليكما في المقال التالي.
وان كنت أتفق مع في بعض ما ذكرتي إلا أنني -لا أعارض- ولكن لا أتفق معكِ في الجزء الأعظم منه ..
ردحذفالدين الإسلامي تم تشويهه في إطارات عديدة منها : الإطار السياسي - والإجتماعي - والفكري
ولسنا في محل لا أنتي ولا أنا عزيزتي الكاتبة في أن نكون في موضع حكم على أياً مِن مَن سبقونا في عصور الإسلام الأولى .. !
كما أن لا حكم ديني لم يشهد صراعاً سياسياً دموياً خارجياً أو أهلياً - أبحثي في التاريخ المسيحي واليهودي وغيره !!
وإن كنت إجمالاً أؤمن إن أوئل الحكم الإسلامي وكذلك الأندلسي كان زاخراً وأفضل حالاً مما نحن فيه وما سنكون عليه ، ليس من النظرة الدينية ، ولكن من النظرة العامة التي تشمل العلم والثقافة والإحترام والحضارة ..
لذلك إن كان لنا عودة إلى ماضي الإسلام المجيد ذلك فأهلاً به
،،
( لا تسموني مسلمة، فالدين ليس هويتي. بل وسيلتي إلى الخالق )
اجمل ما قرأت في مقالتك .. وأقف أمامكِ تحية عرفان لحكمة سأرددها كثيراً
أسعدني رسوي على باب مدونتك ، على أن لا تكون آخر زياراتي ..