الثلاثاء، 10 مارس 2009

أنا نجود!


أنا نجود. في العاشرة. ومطلقة!


هذا عنوان كتاب صدر حديثاً باللغة الألمانية لدار نشر كناور، ترجم عن الفرنسية، وكتبته الصحافية الفرنسية دلفين مينوي تحكي فيه قصة نجود.

هل تذكرونها؟

نجود، زوجها أبوها وهي في الثامنة، قبض ثمنها، ورماها لرجل في الثلاثينات من العمر. رجل الثلاثينات وعد اباها أنه لن يلمسها حتى تبلغ، وإبنة الثمان سنوات قال لها اهلها: لا تخافي، لن يؤذيك؛ والطفلة لا تفهم مايحدث. ذهبت معه، فأغتصبها!

هل تذكرونها؟

نجود! أرادت أن تلعب. طوال الوقت. أرادت أن تلعب. حتى بعد أن اغتصبها. حتى بعد أن ضربها. حتى بعد أن أصر عليها أنها أمرأة وعليها أن تتصرف كأمرأة. إبنة الثامنة، إمرأة؟ لكنها ارادت أن تلعب. طفولتها انتصرت. ورجل الثلاثينات يجرها من بين الأطفال إلى الغرفة، يجردها من ملابسها، ويفعل بها “اشياء وقحة”، هكذا حكت في المحكمة باكية. تريد أن تلعب، والرجل يصر على إغتصاب الطفلة.

ونحن، مجتمع الجزيرة العربية، مجتمع اليمن، نشيج بوجوهنا.

“لعنة الله على الفقر”، بعضنا، يمصمص شفاهه، ويحولق.

“أب متوحش”، غيرنا يقول، وينسى القانون الذي سمح للمتوحش ان يزوج ابنة الثامنة.

“ظاهرة ملعونة”، غيرنا يحشرج صوته، ينظر خلسة إلى وجه الصغيرة، ويتصور منظرها وهي تغتصب، ثم يغيب بخياله… المريض.

وغيرنا يقول إن الصغيرة عجينة، يشكلها الرجل كما يشاء. لايريدها بالغة، لا يريدها ناضجة، لا يريدها إمرأة عاقلة تكون له نداً ثم سنداً. يريدها طفلة. يشكلها كما يشاء، يوجهها كما يشاء، يقول لها تحركي، فتتحرك. يقول لها إمشي، فتمشي، ثم يقول لها نامي، فتنام معه.

لكنها لم تطاوعه، ما اروعها، رفضت فعله، لأنه شنيع. طفلة هي، هل نلومها؟

من يحميها من صمتنا؟ من يحميها من تواطئنا.

و… “زواج الصغيرة حلال”، يضيف بعض من شيوخنا. والبلاء هنا وخيم العاقبة. لعنة الله على شيوخٍ هكذا.

“حلال، حلال، حلال”.

لا يرون خللا في اغتصاب الطفلة. لايرون فيها جريمة. مسألة طبيعية. يقولون.

هكذا يقول رجال ديننا من السلفيين، وغيرهم من الشيعة لا يرى ضيراً من مفاخذة إبنة التاسعة. ولو كنا في مجتمعات أخرى، لإدُخلوا إلى مصحات نفسية لعلاج المجرمين الخطرين من منتهكي الطفولة. لكن الداعين إلى إغتصاب الطفلة نقف لهم في مجتمعاتنا احتراماً، ونخصص لهم برامج تلفزيونية، ثم لا نرى ضيراً في كل ذلك. أين الإنسان فينا. لا تصمتوا أمامهم. لنلقمهم حجراً. لنلقمهم حجراً.

نجود، هل تذكرونها؟

وحدها أدركت، أن ما يحدث بشع، بشع، بشع. لأنها طفلة أدركت هذا.

فقررت أن لا تستسلم لمصيرها.

“لاتستسلمي لمصيرك، أيتها الصغيرة القوية”.

استقلت سيارة اجرة، اخذتها إلى المحكمة.

قالت: سأقول لا.

“قولي أنت أيضاً لا”.

قالت: مصيري بيدي.

“قولي أنت أيضاً مصيري، ووجودي، بيدي ثم رهناً لإرادتي”.

فأنتصرت المحامية شذى محمد ناصر والقاضي محمد القاضي لطفولتها. ما أجمل الخير عندما ينتصر.

نجود، كيف ننساها؟

أظنكم تذكرونها.

جيداً.

فلا تشيحوا بوجوهكم.

وأظنكم تدركون جيداً أن ما يحدث جريمة.

لا تتجاهلوها إذن.

وما دمنا نعرف أن هناك جريمة تحدث، فالأحرى أن نعالج جذورها. أم أن الصمت دوما دوائنا؟

البداية كما تعرفون تكون عادة بالقانون. وبعدها بشيوخنا، لكن هذا حديث اخر.

ولذا، حان الوقت كي نلغي المادة 15 من قانون الأحوال الشخصية المعدل عام 1999، التي تعطي للأب الحق في تزويج إبنته إذا اعتبرها صالحة للوطيء. لا حظوا ان هذه المادة عدلت عام 1999، بعد أن كانت واضحة النص في تحديد السن الأدني للزواج ب15 عاماً.

لكنها عدُلت، وياخزي من تركها تمر هكذا. الناس يتقدمون، ونحن نمشي إلى الوراء، فأصبح من حق ولي الأمر أ ن يزوج إبنته إذا اعتبرها صالحة للوطء. . من يمنعه إذن إذا اعتبر ابنة الخامسة من العمر صالحة للوطيء؟

التغيير يبدأ بنا. فلندفع بإصدار قانون صريح واضح يحدد سناً ادنى للزواج، وحبذا لو كانت الثامنة عشرة من العمر هي ذاك الحد.

التغيير يبدأ بنا، ونجود هي صوت ضميرنا، فكفوا عن الصمت، ولنغير القانون. ثم لنلتفت إلى شيوخنا. لكن هذا حديث اخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق